في هذه الفترة من كل عام، يقع طلاب الشهادة الثانوية في لبنان في حيرة وضياع من أمرهم في ظل شبه غياب للتوجيه الجامعي السليم حول الإختصاصات الموجودة في البلد وحاجات سوق العمل. وفي حديث لموقع LebTalks مع رئيس جمعية مبادرات وقرارات للتنمية، المناصرة والريادة الدكتور في إدارة الموارد البشرية دال حتّي أشار إلى أن أهمية إختيار الإختصاص هي كبيرة جداً نظراً الى أن هذا الاختيار هو ما يحدّد مستقبل الفرد، لذلك يأتي اختياره على أساس رغبة وطاقات وحب الفرد لهذه المهنة، وهذا ما نفتقده اليوم مع غياب التوجيه المهني والجامعي السليم. وفي هذا السياق، يشدد حتّي على "ضرورة فهم الطلاب للحياة المهنية نظراً الى أن أي توجيه جامعي تقوم به الجامعات بأغلب الأحيان يكون فقط للتسويق للجامعة من دون أي فائدة أو توضيح للطلاب حول الاختصاصات وما قد يساعدهم على اختيارها"، مضيفاً " في كل عام تُخلق بين ١٢ و ١٥ ألف وظيفة في سوق العمل اللبناني، إلا أن عدد الطلاب المتخرجين من الجامعات في لبنان هو حوالي ٣١ ألف طالب، ومن المعاهد المهنية والفنية حوالي خمسة الآف أي ما مجموعه حوالي ٣٦ ألف طالب سنوياً ل ١٢ أو ١٥ ألف وظيفة متوفرة، ما يعني أن الفجوة كبيرة وخطيرة جداً، ما يفاقم أزمة البطالة في لبنان ويزيد أيضاً من نسبة الهجرة إلى الخارج، إنما المفارقة أن غالبية الإختصاصات التي تُدرّس اليوم في الجامعات لا تتناسب أبداً مع سوق العمل، لذلك من الضروري أن يكون الطلاب واقعيين ومنطقيين أكثر خلال اختيارهم للإختصاص، في حين أن كل الطلاب المتخرجين من المعاهد المهنية يبدأون بالعمل بإختصاصهم فور تخرّجهم، في وقت لا يزال فيه التعليم المهني يعاني من "دونية" من قبل المجتمع، علماً بأن أكبر الدول كفرنسا وألمانيا اعتمدت على التعليم المهني لأن هذا ما يبني البلد ويمكّن طلابه، وليس التعليم النظري".
فما هي الاختصاصات المطلوبة؟
على هذا السؤال يجيب الدكتور حتي بالآتي: "من منطلق الخبرة في مجال سوق العمل اللبناني، نحن اليوم بحاجة إلى إختصاصات متعلّقة بالزراعة بأنواعها كافة، إضافة إلى الصناعات الحيوانية بسبب نقص التغذية في العالم، فالسوق بحاجة كبيرة إلى هذه الإختصاصات، وفي ظل وجود الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة في لبنان خصوصاً للزراعات البيئية وتلك البديلة، كما أن السوق اليوم بحاجة ماسة إلى شباب وشابات بإختصاصات متعلقة بالتأمين، إضافة الى الحاجة الكبيرة إلى إختصاص التدقيق المالي Auditing، والإختصاصات المتعلّقة بعالم البحار والأسماك وفن الإبحار، علماً بأننا بلد يقع على الشاطئ مع ثروة مائية كبيرة إلا أننا نفتقد لهذه الإختصاصات، مع الإشارة الى وجود مؤسسة واحدة فقط تدرّب على هذا الإختصاص" على ما يقول حتّي، مضيفاً أنه ومع احتمالية إقتراب لبنان من أن يكون بلداً نفطياً فمن الضروري أن يكون هناك شباب وشابات متخصصين بسوق النفط والغاز واستخراجهما، إذ أن عدداً قليلاً من فئة الشباب مختصون بعالم النفط وغالبيتهم يعملون في دول نفطية، لذا فإننا بحاجة لحوالي ٩٠ إلى ١٠٠ ألف وظيفة متعلّقة بهذا الإختصاص، خصوصاً وأن القانون المتعلّق بالدول النفطية يُلزِمها بأن تكون نسبة العمال والإداريين من ٨٠ أو ٨٥ في المئة من اللبنانيين. إضافة إلى كل ما ذُكِر، يؤكد حتّي أن "سوق المعلوماتية أو السوق الرقمية Digital هي المسيطرة اليوم على العالم، فالإختصاصات المتعلّقة بالتسويق الإلكتروني والذكاء الإصطناعي وعلم الروبوتات مطلوبة كثيراً لسوق العمل، وبالرغم من أننا نخرّج طاقات جيداً جداً متعلقة بهذه الإختصاصات إلا أن السوق بحاجة إلى أعداد أكبر، فلبنان هو من البلدان الأولى عالمياً بصناعة البرامج Customised Softwares، وأكبر الشركات في العالم تستعين بالخبرات والطاقات اللبنانية لصناعة برامجها، لذلك يجب على الطلاب التوجّه للتخصص في هندسة المعلوماتية وكل ما يتعلّق بالبرمجة وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى عالم الأمن السيبراني والحوكمة المنتشرة في أيامنا هذه، ومما لا شك فيه أن مستقبلها كبير جداً أقله للسنوات العشر المقبلة ومردودها المادي كبير جداً." ويختم حتّي بالقول: أربعة ملايين لبناني يتمتّعون بذكاء وعقل كبيرين، علينا أن نستغلّهما بشكل سليم وجيّد، ويجب على الشركات العالمية التي تستعين بكل لبناني أن تقدّر وتدفع غالياً ثمن هذا العقل"، وفي هذا الإطار يضع حتّي إمكانيات وطاقات جمعيته كافة بتصرّف الطلاب مجاناً، بدءاً في تطوير مهارات كتابة السيرة الذاتية مع رسالة المقدّمة لأنها باب كبير للتوظيف، ولأن الكثير من الطلاب لا يعرفون كيفية كتابتها بالطريقة الصحيحة، ولكي يتمكن من اختيار الإختصاص المناسب الذي يتوافق مع خياراته ورغباته ونفسيته.