اللافت في الأيام الأخيرة، ومنذ اندلاع أزمة دخول سفينة التنقيب اليونانية حقل كاريش، موقف حزب الله المفاجىء في تلطيه وراء الدولة اللبنانية وخروجه للمرة الأولى عن تفرّده الاستراتيجي في قرارات الحرب والسلم.
نقول "اللافت" وليس المفاجىء متى عرفنا أموراً عدة سوف نستعرضها فيما يلي :
أولاً : حزب الله يتلطى وراء الدولة ويعلن وقوفه خلفها في موضوع كاريش لأن المشكلة ليست مع إسرائيل أو الأميركيين بقدر ما هي بين حلفائه في السلطة. فحقيقة ما خلّفته أزمة حقل كاريش تتجلّى في المواقف المتناقضة الصادرة عن فريق رئيس الجمهورية والفريق العسكري المفاوض.
وحيث أن وراء الأكمة ما وراءها من نيات ومناورات للطعن بالجيش، ومن خلاله بقائده على خلفية تصوير أن ما حصل هو نتيجة خطأ ارتكبه الوفد العسكري في التنازل عن خط ٢٩، فيما فريق بعبدا وافق على الخط ٢٣، فيصبح واضحاً الموقف المرتبك للحزب الذي، وبناء عليه، فضّل التخفي وراء الدولة رغم أن أمينه العام يعتبر في خطاب يوم المقاومة الأخير أن لا دولة في لبنان.
ثانياً : حزب الله يتلطى وراء الدولة في موضوع كاريش لأن التدخل فيه يعني المواجهة العسكرية التي لا ترغب إيران بها حالياً لحسابات لديها لها علاقة بتعثر مفاوضات فيينا وانفضاح أمر عدم التزامها باشتراطات وكالة الطاقة الذرية الدولية، وآخرها فضيحة إخفاء تهريب اليورانيوم المخصّب في بعض المواقع، وصولاً الى تلويح الأوروبيين والأميركيين بعقوبات جديدة على طهران، ما يضع الأخيرة في موقع صعب جداً، وهي التي لم تستطع الى الآن الردّ على الغارات الإسرائيلية على مواقع ميليشياتها في سوريا، فكيف لها أن تردّ على سائر التهديدات التي تحاصرها حالياً وعلى رأسها التهديد الإسرائيلي حيث باتت تل أبيب في شبه حرب مفتوحة مع إيران.
ثالثاً : حزب الله الذي يصرّح أنه بات يعمل تحت سقف الدولة يحاول بيع بضاعة مغشوشة للبنانيين تماماً كما الفواكه والخضار المحشوة بالكبتاغون، وذلك باستغلاله مشكلة حقل كاريش لإيهامهم بأن الحزب أصبح تحت سقف الدولة ولا يتصرف الا بناءً على أوامرها محاولاً إصابة عصفورين بحجر واحد : تخفيف المطالبات الداخلية بمعالجة سلاح حزب الله تمهيداً لسحب الموضوع من التداول على قاعدة انتظام السلاح تحت أمرة الدولة واستثمار موقفه الطوعي في وجه المعارضين له، حتى اذا انتقدته المعارضة لعلمها بكذب الإدعاءات تلك يردّ على الاتهام بأن الحزب بات في حيرة إن هو أعلن انضواءه وراء الدولة أم لا.
فهذه اللعبة المكشوفة الأهداف والمرام لم تعد تنطلي على أحد، واذا كان الحزب جدياً في انضوائه تحت سلطة الدولة فليتفضل و"يكمل معروفه" ويسلّم السلاح للجيش اللبناني ويعلن حلّ جناحه العسكري ليصبح السلاح تحت أمرة الدولة والجيش في شكل تام وشامل.
وبالتالي تسقط سلفاً تلك المناورة المكشوفة، لأن الحزب في خطابه الأخير آنما يحاول استغلال موقف كاريش لتسجيل نقاط على الدولة والجيش واللبنانيين وهو فشل في ذلك، وبالتالي لا حيرة فعلية لديه ولا هو منضوي تحت لواء الدولة وواقف خلفها الا لأسباب خارجة كلياً عن المعلن .
ثالثاً : اللافت أيضاً تلاقي إسرائيل وحزب الله في موضوع كاريش، فإسرائيل مطمئنة الى الخلافات اللبنانية الداخلية بين فرقاء الصف الواحد كما هو مفترض كونهم كلهم وبخاصة رئيس الجمهورية وفريقه والوفد المفاوض في الترسيم حلفاء الحزب، وهي ستستكمل تنقيبها عن النفط بأريحية كبيرة طالما استمرت تلك الخلافات والشلل الرسمي اللبناني وحزب الله المتلطي وراء الدولة، وما تقرره الدولة التي لا يؤمن أساساً بها معفى من مواجهة إسرائيل ملقياً العبء على "فخار يكسّر بعضه" ولو بين حلفائه.
والأدهى أن أبواق الحزب ومسؤوليه باتوا يشترطون لتدخّل الحزب في ملف كاريش وممارسة مقاومته طلباً رسمياً من الدولة اللبنانية وربما موافقة ٩٩ في المئة من اللبنانيين على تدخّله واستفتاء على خيار المقاومة برعاية دولية وربما كونية، كمن يربّح الآخرين جميلة من حسابهم.
وفي الخلاصة، قرر الحزب أن لا يتدخل وحسناً يفعل وحبذا لو يذهب حتى النهاية بتسليم سلاحه للدولة التي أعلن وقوفه خلفها وانتظار طلبٍ منها للتدخل والمؤازرة، والدولة كما اللبنانيون ليسوا بحاجة لأية مؤازرة بوجود الجيش والقوى الشرعية ومؤسسات رسمية على علّاتها، كما نحبذ أن لا يتدخل في بعلبك ضد الدولة الممثَلة بالجيش اللبناني الذي يقوم بواجبه الوطني بالقبض على العصابات المهرّبة والمتاجِرة بالمخدرات.
إن كان من إيجابية لموقف الحزب من حقل كاريش فهي في أنه خلق "سابقة" يمكن البناء عليها لتسريع وتقوية الضغط عليه بعد اليوم لإجباره داخلياً على تسليم سلاحه للدولة طالما أنه قدّم سابقة استعداده في ملف كاريش، فعسى أن تحسن قوى التغيير والسياديون في استغلال هذه السابقة لحملها والوصول بها الى حل جذري لمعضلة السلاح غير الشرعي، واستعادة حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها.