لم يكن فشل الجولة الأولى من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بوساطة أوروبية في الدوحة، مجرد حدث عابر يُضاف الى الأحداث والمستجدات الإقليمية، بل كان بمثابة نقطة تحوّل في مسار السياسة الدولية والإقليمية تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران على طريق المحاصرة والتضييق عليها وصولاً الى تغيّر قواعد اللعبة.فإيران التي تعيش حرباً داخلية متمثلة بسلسلة الاغتيالات التي استهدفت علماء نوويين وكبار ضباط في الحرس الثوري الإيراني، والتي تُقصف باستمرار في سوريا من قبل إسرائيل، والتي صدرت بحقها مضبطة اتهام من الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً تفضح مخالفاتها وعدم تقيدها بقواعد التفتيش، هي نفسها إيران التي ما إن جلست على طاولة التفاوض في الدوحة حتى راحت تطرح شروطاً ومطالب تبيّن من خلالها وقوعها في مأزق إسمه "الحرس الثوري - جناح المرشد"، وهي أيضا نفسها التي باشر نظامها بحملة إقالات واعتقالات لضباط كبار حتى من أقرب المقرّبين لأمن المرشد علي خامنئي.وإيران التي تُظهر علناً استعداداتها للتفاوض والعودة الى طاولة إبرام الاتفاق النووي هي نفسها إيران التي، وفي سبيل التنفيس عن محاصرتها، تعطي الأمر لحزب الله في لبنان بإرسال مسيّرات غير مسلّحة في جولة إستطلاعية فوق حقل كاريش، في لحظة تسلك فيها المفاوضات اللبنانية- الأميركية- الإسرائيلية طريقها نحو إيجابيات معينة، غير آبهة ولا هي ولا حزبها في لبنان بمصالح لبنان واللبنانيين.وإيران نفسها التي تبدي استعدادها للتحاور مع الدول الإقليمية كافة بدءاً من الخليج وصولاً الى فيينا هي نفسها التي يزور وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان دمشق لتوجيه رسائل أولها الى الأتراك مفادها بأن بشار خط أحمر إيراني، حول احتمال قيام تركيا بأي تغلغل أو هجوم على شمال سوريا، ورسالة الى اللقاء العربي التشاوري المنعقد بالتزامن على مستوى وزراء الخارجية العرب وأمين عام الجامعة العربية في بيروت بأن إيران لا تقبل بعودة سوريا الى الحضن العربي، ورسالة الى آسرائيل مفادها أن طهران موجودة وجاهزة للمواجهة إن اضطرت ولكن … بالسوريين وعلى حساب سلامة أراضي سوريا وشعبها المنكوب.إيران تعاني من نجاح خطة إسرائيل في نقل الصراع الى داخلها عبر عقيدة الأخطبوط كما أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت ويستكملها فصولاً خليفته مائير ليبيد.إيران في حال فشل خماسي الأبعاد : فشل في فيينا وفشل في الدوحة وآخر في استقطاب الغرب اليها مع أزمة الطاقة، وفشل في نتائج حربها في اليمن وفشل خامس في إلغاء تصنيف حرسها الثوري من على قائمة الإرهاب، مع ما يعنيه لها هذا الحرس من مبرّر وجود وضمان للنظام ولتصدير الثورة.إيران التي تحاول استعادة شيء من أوراقها بالإعداد لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القريبة اليها لمحاولة بناء قاعدة استقواء جديدة تبدو الأكثر تضرراً وضياعاً الى الآن، في خضم تداعيات الحرب في أوكرانيا وتردداتها على المنطقة، الأمر الذي يُنذر بتصاعد التوترات، وقد بات الشرق الأوسط المنطقة الرديفة والمتأثرة صعوداً وهبوطاً بتداعيات حرب أوروبا ونتائجها التحالفية والاستراتيجية والاقتصادية، وفي مجال الطاقة وفي العلاقات الدولية والإقليمية.الرئيس الروسي بوتين، الباحث عن خطة تطويق الغرب والأميركيين في الشرق الأوسط، يحاول إبعاد العرب وإيران عن الاتفاق مع الأميركيين والأوروبيين، وفي السياق سيستخدم إيران منصة مواجهة، ويفتح أمام الصين إمكانية استغلال الوضع الإيراني لإمداد روسيل لطهران بمقومات مواجهة ضد إسرائيل والغرب وحلفائه في المنطقة. الرئيس الأميركي جو بايدن قالها بصراحة : "إنه زمن الحرب وهناك أخطار عالمية، ما يفرض على شركات النفط الأميركية خفض أسعار المادة فوراً". وبنفس هذه الروحية، سيأتي بايدن الى المنطقة من بوابة الخليج لشدّ عصب الحليف الشرق أوسطي، ومحاولة قطع الطريق أمام الرئيس بوتين وتهديده النفطي والاستراتيجي.ثمة قرار أميركي بكسر محور إيران - روسيا- الصين من خلال ضرب الذراع الأضعف لهذا المحور ألا وهو إيران، ما يعني تشريع الباب أمام شتى الإحتمالات في هذه البقعة الملتهبة من العالم، بالتوازي مع تفاقم حرب أوكرانيا وعودة الحرب الباردة ولكن بسخونة الى معادلة النظام العالمي الجديد.
