ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “سمعنا في إنجيل اليوم أن الرب أقام من الموت شابا ميتا وحيدا لأمه. كثيرا ما نفكر أن الموت ظلم، لكننا نتجاهل أنه يحمل دوما بذور الرحمة التي تتكشف بعد حين من رقاد الإنسان. نحن نطلب في صلواتنا أن تكون أواخر حياتنا مسيحية سلامية بلا حزن ولا خزي، وجوابا حسنا لدى منبر المسيح المرهوب. هذه الطلبة قد تتحقق في الإنسان مهما بلغ عمره، شابا كان أو كهلا أو حتى طفلا. لا أحد يعرف متى تكون أواخر حياته، إذ ليس لنا أن نعرف الأوقات والأزمنة التي جعلها الآب في سلطانه (أع 1: 7)، لكننا نترجى الحياة في الدهر الآتي كما نردد في دستور الإيمان. نرجو أن يهبنا الله حياة أبدية، بما أنه رحوم، لكننا لا نعمل شيئا في المقابل لتكون أواخرنا صالحة. فرغم الشائعات التي أطلقها ويطلقها بعضهم حول اقتراب نهاية العالم، والتي يقع كثيرون في أشراكها، ورغم الأوبئة والزلازل والمصائب التي تلحق بالبشرية، ورغم الحروب الدائرة حولنا، قليلون يهيئون أنفسهم للنهاية الآتية. يسود الخوف دون أن يعمل أحد من أجل خلاصه، وغالبا ما يتحرك البشر نحو إشباع رغباتهم الأرضية قبل مغادرة الأرض من دون التمتع بالملذات الدنيوية”.
وأضاف: “المسيحي الحقيقي مستعد دوما للنهاية، سائلا الله الصالح أن يكون «شفوقا ورؤوفا ومتعطفا». يتهيأ روحيا بشكل دائم لنوال ملكوت السماوات، ويتذكر دوما أنه خاطئ ومحتاج إلى رحمة الرب. الخطيئة هي سبب الموت، لكن الله لا يسر بموت الخاطئ إلى أن يرجع ويحيا (حز 18: 32، 33: 11). فمنذ العهد القديم يرسل الله إنذارات لشعبه كي يعودوا عن الخطأ (حز 3: 18–21) حتى تكون أواخرهم بلا حزن ولا خزي. نجد امتدادا لذلك في معمودية التوبة التي كان يوحنا المعمدان يكرز بها (مر 1: 4). وفي العهد الجديد لم يكن الرب يسوع يشفي أحدا جسديا قبل أن يشفيه روحيا، غافرا خطاياه، وقد سلم هذا السلطان لتلاميذه بعد قيامته وظهوره لهم (يو 20: 23). إذا، ما ندعوه في يومنا الدواء المنسي، أي سر الإعتراف، هو الطريقة الفضلى ليهيئ الإنسان المسيحي نفسه لآخرته. لكن اللجوء إليه يتضاءل إذ يتجه الناس نحو السموم القاتلة للروح، فنجد من يسرق ويقتل ويزني ويغضب ويكره ويحارب أخاه. ينسى الإنسان دائما أن الله خلقنا أحرارا، ونحن من نقرر إذا كنا سنعيش مسيحيتنا أو إنسانيتنا بشرورها، ونحن من نقرر إن كانت أواخرنا ستكون بلا خزي أو مملوءة خزيا بحيث لن نتمكن من النظر إلى الله في يوم الدينونة الرهيب”.
وتابع: “في سير القديسين وأقوالهم ذكر الموت أمر مهم إذا أردنا عيش التوبة والحصول على نهاية أفضل، إذ إنه يردعنا عن المعصية متى أدركنا أن الإنسان هو عظام مجردة ورائحة نتنة ومأكل للدود كما نرتل في خدمة جناز المؤمنين. أليس ما يدور حولنا من قتل ودمار فرصة ذهبية تردنا إلى الطريق القويم بالتوبة والتخشع أمام مهابة الموت؟ لقد منحنا الله طرقا عدة نعود من خلالها إلى عيش الإيمان والتوبة. حتى المرض يمكننا اعتباره إنذارا للتقرب من الله أكثر. المسيحي لا يلوم الله إذا أصابه مرض، إنما يشكره إذ منحه فرصة للتوبة والحصول على آخرة صالحة”.
وقال: “الصعوبات والتجارب والمحن والحروب التي يمر بها الإنسان هي أيضا فرص للعودة إلى الذات، والتوبة والندم على الخطايا، والتفكر بالنهاية، واعتماد السلوك المناسب. ما يمر به بلدنا فرصة لجميع أبنائه كي يعودوا إلى ضمائرهم ويتأملوا في ما حصل، ويتحدوا حول دولتهم من أجل صون بلدهم. إنها فرصة لاجتماع النواب فوراً وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة متجانسة تعمل بلا كلل على مواكبة التطورات واتخاذ الإجراءات اللازمة، ومعالجة الوضع الخطير والمشاكل الإنسانية والإجتماعية الناتجة عنه، بمعاونة الجيش اللبناني الذي عليه وحده تقع مسؤولية حماية الحدود وأمن البلد. علينا استعادة لبنان الدولة التي وحدها تشكل المظلة والملجأ الأمين لجميع أبنائها. ألم نتعلم من دروس الماضي الأليمة؟”
وأضاف: “اللبنانيون ينتظرون من قادتهم موقفا تاريخيا إنقاذيا على مستوى الخطر المحدق بهم. بلدنا المنهار لن يقوى على الصمود طويلا ما لم تتوحد المواقف حول طريقة إنقاذه. لم يعد جائزا تركه ساحة مستباحة وحلبة مصارعة. نحن أمام عدو شرس لا يرحم. وحدة اللبنانيين حول دولتهم، ووضع مصلحة بلدهم فوق كل مصلحة أخرى، وبلورة موقف وطني سيادي واضح يحصنهم ويؤمن لهم تضامنا عربيا وعالميا ضروريا لكسب قضيتنا بالطرق الدبلوماسية، وحماية البلد وأبنائه”.
وختم: “الموت قاب قوسين من الجميع، والإنسان لا يذكر إلا بالحسنات التي تركها وراءه، فتكون ذكراه خالدة في ضمير الأجيال وتاريخ البلاد. فلنتهيأ، بالإتحاد حول فكرة الوطن الذي هو الحصن الأمين لجميع أبنائه، ولنعمل جميعنا من أجل إحياء الممارسة الديموقراطية فيه، وإعادة الحياة إلى مؤسساته الدستورية. ولنقرأ الكتاب المقدس وسير القديسين، ونمارس سر التوبة والإعتراف. هكذا نرجع إلى السكة الصحيحة للمثول أمام منبر المسيح بلا حزن أو خزي. لنتهيأ لأننا لا نعرف متى يأتي الختن ليدين المستعدين والمتخاذلين كلا حسب استعداده”.