عودة: نأمل أن يعود جميع اللبنانيين إلى كنف وطنهم

Elias Aoude76

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وبعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى عظة ورد في شقها السياسي: “الرسول بولس لا يحذر منْ أمورٍ محرمةٍ، بلْ من الأمور المباحة، كي لا نظن أننا ننْجو بمجرد تجنبنا المحرمات. نراه يخاطب فينا حس الحكْمة والتمْييز منْ أجْل الإعْتدال في الحياة. طبعاً، يحق لنا السعْي نحْو الأفْضل في كل تفاصيل حياتنا، شرْط ألا نقع في الإفْراط والجشع. تخلى الإبْن الشاطر عنْ حكْمة البيْت الأبوي ظاناً أنها ما عادتْ تكْفيه، وخرج إلى ما ظن أنه اتساعٌ لآفاق حياته، تماماً كالناس الذين يظنون، أوْ يقْنعون أنْفسهمْ أو الآخرين بأن الوصايا الإلهية لا تتناسب ومتطلبات الحياة الحاضرة، أوْ كالإنْسان الذي، متى قرأ ما يقوله الرسول بولس هنا، يكْتفي بعبارة كل شيْءٍ مباحٌ. يعلمنا الرسول أن منْ أراد اسْتخْدام هذا الحق، عليْه أنْ يحْفظ حدود الإعْتدال بيقظة الحكْمة والتمْييز، وإلا سقط في الإفْراط الذي سيتسلط عليْه ويقوده إلى الهلاك”.

وتابع: “يسْتعْمل الرسول بولس الأطْعمة والجوْف أي البطْن ليشير رمْزياً إلى الشراهة بمعْناها الواسع. تبْقى أمور الدنْيا كلها، كالطعام، موافقةً، متى مورستْ باعْتدالٍ، وتصْبح، في حال الإفْراط، ضارةً. لذا، يقول في موْضعٍ آخر: الذين إلههمْ بطْنهمْ (في ٣: ١٩)، أي الذين، بسبب شرههمْ لأمور الدنيا صاروا عبيداً لها. يقول الرسول: أما الجسد فليْس للزنى بلْ للرب، والرب للجسد، ولا يقْصد المعْنى الحصْري الضيق للزنى، بل الشهوات الأرْضية عموماً، وهذه كلها سيبيدها الرب. يكرر الرسول أهمية الإعْتدال بقوْله: إنْ كان لنا قوتٌ وكسْوةٌ فلْنكْتف بهما (1تي 6: 8). طبْعاً، لا يلْغي أحقية الإنْسان في السعْي، في يوْميات حياته، نحْو الأفْضل، لكنه يشدد على خطورة الإنْزلاق نحْو الإفْراط والشراهة، وهما الباب الأوْسع لكل إثْمٍ ورذيلةٍ”.

وسأل: “ميز الرسول بيْن البطْن والجسد، والبطْن أحد أعضاء الجسد، كيْ لا نفْهم أن الطبيعة البشرية أصْل الشراهة. هو لا يدين طبيعة الجسد، بلْ سيْطرة الشهوات على الإنْسان. فكيْف يمْكننا أنْ نجْعل هذا الجسد الذي هو إناءٌ للروح القدس كما قال لنا الرسول، والمشْترى بالدم الثمين، أسيراً للشراهة وعبْداً للأهْواء؟”.

أضاف: “بعْد التحْذير من الإفْراط وإدانة الشراهة ينْقلنا الرسول إلى وعْد الخلاص، تماماً كما في مشْهد عوْدة الإبْن الشاطر إلى الحضْن الأبوي. رأْس جسدنا هو المسيح ونحْن أعْضاء جسده، والجسد سيتْبع حتْماً قيامة الرأْس إنْ تمسكْنا بإرْشاداته في كل تفاصيل حياتنا. أما إنْ فقدْنا حس الإعْتدال واسْتسْلمْنا للإفْراط نكون كالإبْن الشاطر في غرْبته، معْدمين، أذلاء، نشْتهي علف الخنازير ولا نطاله، حتى لو امْتلكْنا كنوز الأرْض. يعود الرسول إلى رمْزية الزنى قائلاً: من اقْترن بزانيةٍ يصير معها جسداً واحداً لأن الشراهة كالزنى، تعْطي متْعةً وقْتيةً خداعةً لا تدوم. منْ يقع في شرْك الإفراط في الشهوات تخْدعه، إذْ يظن أنها توفر له السعادة، لكنها في الحقيقة تسود عليْه حتى الإسْتعْباد. يتابع: أما الذي يقْترن بالرب فيكون معه روحاً واحداً. الخياران وعاقبتاهما أمامنا، والرسول يعبر عنْهما بوضوحٍ، مؤكداً لنا، عبْر قوة المقابلة بيْن الخياريْن، أنه لا يهْدف إلى إلْغاء الإرادة الحرة، بلْ إلى تنْقيتها من الإنحراف”.

وقال: “يا أحبة، كما عاد الإبن الضال إلى أحْضان أبيه بعد أنْ شطر نفْسه عن البيت الأبوي، أملنا أنْ يعود جميع اللبنانيين إلى كنف وطنهم بعدما عاد الأمل بانتخاب رئيسٍ للجمْهورية وتأليف حكومةٍ نتمنى لها النجاح والإنْجاز. إنه وقْت العمل والتحديات كبيرةٌ لأن تطلعات اللبنانيين واسعةٌ. هم يطْمحون إلى العيْش في بلدٍ قد رممتْ أوصاله وعادتْ إليه الحياة، بلدٍ يجْمع أبناءه تحْت راية العدالة والمساواة، القانون فيه سيدٌ وهيْبة الدولة رادعٌ، فلا يجْرؤ فيه أحدٌ على استباحة كرامات الناس أو أمْوالهم وممْتلكاتهم، ولا تسول لأحدٍ نفْسه أنْ يقْتل أو يسْرق أو يهين رجل أمْنٍ، أو يخالف القوانين، وأولها قانون السيْر. اللبنانيون يحْلمون بدولةٍ لا امتيازاتٍ فيها لأحدٍ بل مساواةٌ بين المواطنين، واحترامٌ للكفاءة، وعدالةٌ في التوظيف”.

أضاف: “اللبنانيون يحلمون بالعيْش في بلدٍ آمنٍ، مستقر، لا حرْب تهددهم ولا عدو يتوعدهم. يحلمون بإصلاحٍ إقْتصادي ومالي وسياسيٍ وإداري، وباجْتثاث الفساد وتفْعيل أجْهزة الرقابة، وباسترجاع أموالهم، وبقضاءٍ حر مسْتقل يحقق العدالة في كل القضايا العالقة، وعلى رأسها تفجير المرفأ”.

وختم: “نأمل أن تعْمل الحكومة كفريقٍ واحدٍ متضامنٍ، وأن تلتفت إلى قضايا الناس وأوجاعهم، وتعالج كل ما يمس حياتهم، مقللةً من الشعارات ومكْثرةً من العمل والإنتاج، لأنه ضاع وقتٌ طويلٌ وحان وقْت الجهاد، لقد اتخذت الحكومة شعار الإصلاح والإنقاذ. أملنا أنْ يبدأ الإصلاح، والله يرى والمواطنون يرون، وعندها يستحق كل عضْوٍ فيها، عوض اللقب الذي لا يصْنع رجالاً، محبة الناس وثقتهم وتقْديرهم واحترامهم، وهذا هو الوسام الأرْفع، دعْوتنا اليوْم أنْ نبْدأ بحزْم أمْتعتنا للإنْطلاق في رحْلة الصوْم الكبير المقدس، فنتخلى عما لا ينْفعنا، ونحْتفظ بما يغْني النفْس والروح ونستثْمره ليكون نافعاً لنا ولجميع منْ همْ حوْلنا، حتى نصل جميعاً إلى فرح القيامة المجيدة”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: