أكّد وزير الصناعة جو عيسى الخوري أن "طرح موضوع حصرية السلاح يأتي انطلاقًا من المصلحة الوطنية، وليس بدوافع آنية، والهدف واضح: بناء دولة عادلة وقوية، لأننا لا نستطيع أن نبني دولة فعلية ما لم يكن كافّة اللبنانيين متساوين".
وأشار إلى أن "موضوعين أساسيين يُثيران النقاش داخل الحكومة: الأول مسألة المعلومات التي لا يُبلّغ بها عدد كبير من الوزراء قبل الجلسة والتي يعرفونها أحيانًا من الإعلام، والثاني المتعلّق بملف سلاح المنظّمات المسلحة غير الشرعية، اللبنانية وغير اللبنانية".
وتابع: "أثرنا كوزراء ممثلين للقوات اللبنانية بالتنسيق مع عدد من الوزراء الآخرين بعد ثلاثة أسابيع من تأليف الحكومة، مسألة دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد بهدف مناقشة ملف السلاح غير الشرعي، ووضع جدول زمني لتسليم الجيش اللبناني سلاح كافة التنظيمات والمجموعات العسكرية الخارجة عن إطار الشرعية، خلال مهلة لا تتجاوز ستة أشهر. يستند تحديد هذه المهلة إلى ما ورد في بيان حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي الوزاري، بعد انتهاء الحرب عام 1990، إذ نصّ البند الأول من هذا البيان على تسليم أسلحة الميليشيات اللبنانية إلى الجيش اللبناني خلال فترة ستة أشهر".
كما أسف لعدم حصول تفاعل مع بعض الطروحات الداخليّة، بينما تشهد الأفكار ذاتها تجاوبًا ملحوظًا حين تَصدر عن جهات خارجية.
أضاف: "تقوم الدولة على ثلاثة أركان: الأرض، الشعب، واحتكار القوة. وهذا الاحتكار ينقسم إلى شقّين: قضائي وأمني، والأخير يرتبط بالسلاح. لذلك، إذا أردنا فعلًا بناء دولة، يجب ألا نسمح بوجود "دولة موازية للدولة او Para-State"، كما هو الحال مع حزب الله في السنوات الـ 15 الماضية. وهذا النموذج نراه جليًّا في إيران، حيث توجد سلطات مدنية وجيش ورئيس جمهورية، لكن يقابلها "الحرس الثوري" الذي يملك القرار الفعلي. وإذا كانت هناك محاولات لتطبيق هذا النموذج في لبنان، فإنها لن تنجح، بل ستفتح الباب أمام مخاطر كبيرة، وقد تمهّد لاندلاع حرب أهلية، وهذا ما نرفضه ونسعى بكل جهدنا لتفاديه.
وعن سؤاله على أداء رئيسي الجمهورية والحكومة في هذا الملف، اعتبر أنه "لا شك أن هناك بطئًا واضحًا في تعاطي الرؤساء الثلاثة مع هذا الموضوع، وإلا لما كنا شهدنا تدخّلًا أميركيًا وضغوطًا دولية تُمارس عليهم".
ولفت الى اصطدام الوزراء بعوائق كثيرة عند محاولتهم القيام بإصلاحات جدية في مجالات مختلفة، لا سيّما في ما يتعلق بالتمويل، وغالبًا ما تكون ردة الفعل من الجهات المانحة والمستثمرين اللبنانيين: "بادروا بتثبيت حصرية السلاح بيد الجيش قبل طلب الحصول على أي تمويل او استثمار".
ورأى عيسى الخوري اننا "نعيش في نظام برلماني، حيث تكمن السلطة الحقيقية في مجلس النواب، ما يمنح رئيس المجلس نفوذًا واسعًا"، معتبراً أن "اتفاق الطائف، جرّد رئيس الجمهورية من صلاحياته التنفيذية، من دون أن يمنحها لرئيس الحكومة، بل وزّعها على 24 وزيرًا، ما أدى إلى "تمييع" السلطة التنفيذية".
استطرد: "هنا تكمن المشكلة مع اتفاق الطائف: لقد انتقلنا من نظام مركزي رئاسي برأس واحد إلى نظام مركزي بثلاثة رؤوس، في حين فُقد التوازن في السلطة التنفيذية. وهذا هو أحد أسباب الأزمات المتتالية التي نعيشها اليوم".
أمّا عن وزارة الصناعة، فأشار إلى أنّه "منذ تسلمه مهامه في الوزارة، اكتشف مدى أهمية القطاع الصناعي، وفي المقابل مدى الإهمال المزمن الذي يعاني منه منذ ١٩٩٠".
وقال: "وزارة الصناعة تُعنى بأكبر ربّ عمل في لبنان، إذ يشغّل القطاع الصناعي نحو 250 ألف عامل وموظف، ومع ذلك لم ينَل هذا القطاع ما يستحق من دعم أو اهتمام. قمت بدراسة لموازنات الدولة من عام 2000 حتى 2019، وتبين أن الحكومات المتعاقبة أنفقت نحو 238 مليار دولار، بمعدل 12 مليار دولار سنويًا. ومع ذلك، لم يُخصص لوزارة الصناعة سوى 4 ملايين دولار سنوياً فقط خلال ٢٠ عامًا، أي ما يعادل 0.03% فقط، وهو رقم صادم بالنظر إلى أهمية هذا القطاع. وقد لمسنا أهمية الصناعة بشكل ملموس خلال الحرب الأخيرة، إذ كان القطاع الصناعي الوحيد الذي استمرّ بالانتاج واستطاع تأمين فرص عمل جديدة في ظل الأزمة، ما يؤكد الحاجة إلى تطويره إلى جانب القطاع الزراعي".
أردف: "أنا آتٍ من القطاع الخاص، رقد وجدت أن هيكلية القطاع العام ما زالت على النمط نفسه الذي أُسس في عهد الرئيس فؤاد شهاب عام 1959، من دون أي تحديث يُذكر، في حين أن القطاع الخاص تطوّر كثيرًا. لذلك، كنت من المطالبين بضرورة إعادة هيكلة الإدارة العامة، وكنت أفضّل أن تتم هذه الخطوة قبل التعيينات. واليوم أعمل على هذا التوجّه داخل وزارة الصناعة، فمع إعادة الهيكلة، قد نجد أن بعض الوظائف لم تعد ضرورية. وعلى سبيل المثال، تلحظ هيكلية الوزارة 220 وظيفة بينما لا يوجد حالياً سوى 87 موظفًا، من بينهم 15 متعاقداً. ومع الخطوات التي نقوم بها لإعادة الهيكلة ولتطبيق المكننة، قد لا نحتاج إلى العدد الكامل الملحوظ في الهيكليّة، ما يعني أن موازنة الوزارة ستُستخدم بشكل أكثر فعالية كزيادة الرواتب".
وسُئل عيسى الخوري عن علاقته بالرئيس نجيب ميقاتي، فقال: "كنتُ مستشارًا لمجموعة عائلة ميقاتي في الشؤون المتعلقة باستثماراتهم الخارجية، وتربطني علاقة جيدة بالعائلة ككل. وساعدت الرئيس ميقاتي بين العامين 2011 و2013، في ملفات خارجية، لكن لم تكن لي أيّ صلة بالامور الإدارية الداخلية."
أما عمّن سمّاه لتولّي حقيبة وزارية رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع او النائب ستريدا جعجع، فأجاب: "علاقتي ممتازة بالنائب ستريدا جعجع، وأنا أُثمّن عاليًا كل التضحيات التي قدّمتها، خصوصًا خلال السنوات الـ11 التي أمضاها الدكتور جعجع في المعتقل، وهي حقاً مقاومة. وما تقوم به النائب جعجع في منطقة بشري، سواء على الصعيد الإنمائي أو الثقافي من خلال المهرجانات، مهم جدًا ومحل تقدير. لكن في ما يتعلّق بالسياسة الوطنية، أعتقد أن الكلمة الفصل تبقى للحكيم."
هذا وكشف عيسى الخوري أن اسمه طُرح بداية لتولّي حقيبة "الخارجية"، لكن الرئيس نواف سلام، ورغم الصداقة بينهما، رفض ذلك لأنه يطرح "مشروع الجمهورية اللبنانية الاتحادية"، غير أنّ جعجع أصرّ على تسميته، وتمّ التوافق في نهاية المطاف على إسناده حقيبة "الصناعة".
وتابع: "أؤمن بمبدأ: la modération dans le tempérament est une vertu, mais dans les principes, c'est un vice أي أنه يجب أن تكون معتدلًا في طباعك، تنصت للآخر، وتحاول فهم وجهة نظره للوصول إلى نقطة التقاء. لكن لا يجوز أن تكون معتدلًا في مبادئك... ومبادئي مستمدة من انتمائي الى بشري".
ورداً على سؤال رأى عيسى الخوري أنّه خلال فترة الحرب، وفي ظلّ غياب الدولة والخطر الوجودي على المسيحيين، كان من الطبيعي أن تتشكّل مجموعات لحماية هذه الفئة، ومنذ ذلك الوقت حافظت "القوات اللبنانية" على الوجدان المسيحي".
واكد أن "من قاتل واستشهد، له فضل علينا، ولا يمكن لأحد أن يحاسب من حمل السلاح في مرحلة معينة ".
واعتبر ان "معظم المسيحيين اليوم غير حزبيين، ويمنحون الزعامة لمن يعبّر عنهم، ومنذ عشر سنوات تقريبًا، أعطت المجموعة المسيحية ثقتها للقوات، لأنها أدركت أنهم حافظوا على هذا الوجدان، ونجحت خياراتهم ألسياسية للدفاع عن سيادة لبنان".
أضاف: "لا أفهم سبب الهجوم على القوات اللبنانية. فهم، منذ خروج الدكتور جعجع من المعتقل قبل نحو عشرين عامًا، يمارسون السياسة بطريقة سلمية. لم يقوموا بأي استعراض مسلح، لم يقتلوا او يعتدوا على أحد، وينادون بالإصلاح وتقوية الدولة من خلال جيش قوي، ويختارون نوابًا ووزراء نظيفي الكف. حتى خطابهم وطني، رغم التزامهم بالدفاع عن مجموعة محدّدة. وإذا كانت المشكلة في سمير جعجع بأنّه ارتدى "البدلة الزيتية"، فمن من زعماء هذا البلد لم يرتديها يومًا؟ نحن في لبنان نعيش نوعًا من الانفصام في تعاملنا مع بعضنا البعض. إن بقينا أسرى مآسي الماضي، لن نخرج منها أبدًا. لقد آن الأوان لنسامح بعضنا، ونتصارح كمكوّنات مختلفة، وإلا فلن ننجح في بناء مشروع وطني مشترك".
عيسى الخوري الذي رفض الربط الخاطئ بين الفيدرالية والتقسيم، أسف لأن الطرح الفيدرالي غالبًا ما يُشيطن في لبنان، بينما هو في الأساس نموذج متطوّر من اللامركزية المعمول بها في أكثر من 26 دولة في العالم، ويعيش فيها نحو 44% من سكان العالم، معظمهم في دول ديمقراطية متقدّمة. وعدّد بعض الدول التي تتّبع النظام الفدرالي ومنها كندا، الولايات المتحدة، استراليا، جنوب افريقيا، المانيا، سويسرا، الامارات العربية المتحدة، بلجيكا، النمسا... وهي دول موحدة ومزدهرة وليست مقسمة.
وأوضح ان "لبنان بلد تعددي يتكوّن من أربع مجموعات رئيسية لكل منها خصوصية ثقافية واجتماعية، وهذه التعددية لا يمكن ان تُدار بنظام مركزي. التعددية يجب ان تكون مصدر غنى ولكنها للاسف تشكل مصدر أزمات بسبب النظام المركزي، إذ انه عندما تسيطر اي مجموعة على السلطة المركزية تفرض خصوصياتها ما يؤدي الى عدم ارتياح لدى المجموعات الأخرى".
واعتبر ان هناك من يطرح تعديل اتفاق الطائف، وآخر يطالب باللامركزية المالية أو الإدارية، كما هناك من يطرح الفيديرالية وجميع هؤلاء يدافعون عن كيان لبنان بمساحة ١٠٤٥٢ كم٢. ومن حق كل فريق أن يعرض مشروعه، لافتاً الى أن اللبنانيين أصلاً يمارسون اللامركزية الاجتماعية، سواء في ما خص الزواج والطلاق والميراث، أو في مظاهر الحياة العامة التي تختلف من منطقة لأخرى فيما يطلب عدد كبير بمنح البلديات استقلالًا ماليًا لإدارة ملفات كالكهرباء والنفايات، أي ما يُعرف باللامركزية المالية. وشرح ان الفيدرالية هي تطبيق لـ"اللامركزية المالية والاجتماعية" في آن معا من خلال قوننتها وتشريعها.
وختم بالقول: "أنا مع أن يشرح كل طرف نظريته، لأن الأهم هو الحفاظ على المواطن اللبناني ومنع المزيد من الهجرة. أما قمع الآراء والتخوين، فلن يؤدي بنا إلى أي أرضية مشتركة. وعلينا ان نكون واثقين انه لا تغيير بالشرعية الا من خلال الشرعية".