إستبقَت أمس النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون المثول مرة جديدة أمام الهيئة العليا للتأديب برئاسة الرئيس الأول سهيل عبود، بتصحيح طلب ردّها الأول، في حق رئيس الهيئة الناظرة في الطعن المقدم بقرار المجلس التأديبي القاضي بصرفها من القضاء، بتقديم وكيلتها القانونية، طلب ردّ رئيس الهيئة مجدداً، ولكن هذه المرة أمام مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه القاضي سهيل عبود أيضاً؛ ما يضع محاكمة النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان في حلقة مفرغة، وأعضاء مجلس القضاء الأعلى أمام امتحان خلال الأسبوعين الفاصلين عن الجلسة الثالثة التي حدّدت لاستكمال محاكمتها في 29 نيسان 2024.
وبعد حوالى عشرين دقيقة عن موعد الجلسة المحدّد في العاشرة صباح أمس، وصلت القاضية عون إلى قصر العدل في بيروت، وشَرعت بالطلب من قلم مجلس القضاء الأعلى تزويدها إفادة تثبت طلب وكيلتها القانونية باسكال فهد، ردّ رئيس الهيئة الأسبوع المنصرم.
دقائق كانت كفيلة بأن تحصل عون على مبتغاها، وتتسلّح بما يخوّلها مجدّداً مواجهة رئيس الهيئة على قوس المحكمة، وتطلب اعتبار أنّ طلب ردّ الرئيس سهيل عبود المسجّل تحت الرقم 244 بتاريخ 8 نيسان 2024، كفيل بتعليق محاكمتها أمام هيئة المحكمة الحاليّة.
في الموازاة، لم تخفِ القاضية غادة عون تململها من عدم دعوتها إلى المثول أمام الهيئة فور وصولها واستحواذها على طلبها؛ ليتبيّن أنّ القضاة الذين وصلوا في التوقيت المحدّد للجلسة، عقدوا جلسة «مذاكرة» لتداول طلب ردّ رئيس الهيئة ورئيس مجلس القضاء الأعلى، قبل دعوة عون للمثول أمام المحكمة قرابة الحادية عشرة وعشرين دقيقة.
دقائق معدودة، خرجت القاضية عون من جلسة محاكمتها ووجهها يعكس فائضاً من الارتياح والثقة بالنفس وبالإجراء القضائي الذي أقدمت عليه. وعلمت «نداء الوطن» أنّ عون توجّهت إلى رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي سهيل عبود خلال مرافعتها بإعادة التشديد على عدم إمكانية ترؤّسه هيئة المحكمة، ولا المذاكرة ولا النظر في هذه القضيّة التي سبق وتبلّغ طلب ردّه بها. الأمر الذي دفع الرئيس سهيل عبود إلى طلب تدوين أقوال عون في المحضر والإعلان قبل رفع الجلسة عن إرجائها إلى 29 من شهر نيسان الجاري.
كلمات مقتضبة دأبت القاضية غادة عون على تكرارها على مسامع الزملاء تجنّباً للإخلال بموجب التحفّظ: «ضميري مرتاح… من شو بدّي خاف… هيدا شغلي وضميري… ما في سبب لخاف… بدّك بس يتحاكم يلّي بيسرق دراجة… هيدا دور القضاء؟».
إلى ذلك، ساد جوّ بين المحامين المواكبين لعون مفاده أنّ تقدّم التحقيقات التي تقوم بها القاضية عون والاقتراب من كشف حقيقة خفايا ملفات الفساد والمصارف وتبديد أموال المودعين سيرتدّ سلباً عليها، ويتظهّر تباعاً في الضغوط التي تُمارس لصرفها من القضاء وصرف النظر معها عن المرتكبين والمتورّطين في الملفات الكبرى التي تمسك بها.
مغادرة عون قصر العدل في بيروت أعاد إلى الواجهة واقع السلطة القضائيّة والتحدّيات الجسيمة التي تعتري انتظام عملها بعد أن أدّى تعليق التشكيلات القضائيّة إلى تمدّد الشغور في المواقع القضائيّة الأساسيّة جرّاء بلوغ عدد كبير من القضاة السنّ القانونية للتقاعد. وراهناً من بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى العشرة، لم يبقَ إلا 6 أعضاء فقط، يشكّلون الحدّ الأدنى من النصاب القانوني. ويأتي طلب القاضية عون ردّ الرئيس عبود ليفقد مجلس القضاء قدرته على الإلتئام والنظر في طلب ردّ رئيسه، كما في إمكانية البحث في تعيين قاضٍ آخر مكان الرئيس المطلوب ردّه. وفق القانون، فإنّ الهيئة العليا للتأديب تتألف حكماً من 5 قضاة يتمّ اختيارهم من بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى؛ وهي تضمّ راهناً إلى جانب رئيسها، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، الأعضاء حبيب مزهر، ميراي حداد، داني شبلي، وعفيف الحكيم.
في سياق متصل، علمت «نداء الوطن» أن الإجراء الذي تقدّمت به القاضية عون في وجه الرئيس الأول لا يعدّ سابقة في لبنان، وذلك بعد أن سجّل أكثر من حالة مشابهة في السابق تتنوّع مقاربة المدارس الفقهية والقانونية حولها. وإحدى تلك الحالات المشابهة سجّلت خلال ولاية الرئيس فيليب خيرالله الذي خلص مجلس القضاء الأعلى في قراره حينها إلى اعتبار أنّ الرئيس الأول، رئيس مجلس القضاء الأعلى، لا يُردّ.