فجوة نزع السلاح!

sleh hezbollah

لم تمرّ رسالة رئيس الحكومة نواف سلام سريعًا لكن بدلالات سياسية وأمنية عميقة، حين أعقب لقاءه رئيس الوفد اللبناني إلى اجتماعات "الميكانيزم" السفير سيمون كرم بإطلاق مهلة أيام للإعلان عن انتهاء الجيش اللبناني من خلو منطقة جنوب الليطاني من السلاح والمسلحين، والانتقال إلى المرحلة الثانية شمال الليطاني.

هذا التسريع، بحسب مصدر سياسي رفيع جاء محمّلًا بهدفين متوازيين ومترابطين: الأول، توجيه إشارة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن لبنان يحوّل التعهدات إلى التنفيذ الفعلي في ملف حصرية السلاح، وأن الدولة اللبنانية، عبر مؤسساتها الشرعية، ملتزمة بخارطة الطريق الموضوعة، على قاعدة أن يقابل هذا الالتزام بخطوات إسرائيلية مقابلة، وفق معادلة "خطوة مقابل خطوة" التي تشكل اليوم الإطار الواقعي الوحيد لإدارة هذا المسار المعقد. أما الهدف الثاني، فمرتبط مباشرة بنتائج الاجتماع الرباعي الذي عقد في باريس وضم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ونائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس، والمبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان، إلى جانب قائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث تبلورت قناعة مشتركة بضرورة الإسراع في دعم الجيش اللبناني لتمكينه من الانتقال إلى المرحلة الثانية من الانتشار وضبط الأمن شمال الليطاني.

هذا الربط بين الإعلان السياسي والتقدم الميداني انطلق من معادلة واضحة جرى التداول بها بصراحة في باريس، مفادها أن أي دعم دولي نوعي وفعّال للمؤسسة العسكرية سيكون متزامنًا مع خطوات عملية في اتجاه حصرية السلاح بيد الدولة، ومع بدء التنفيذ الفعلي في شمال الليطاني. فالجهات الدولية المعنية، وخصوصًا تلك المشاركة في الاجتماع الرباعي، باتت تنظر إلى الجيش اللبناني باعتباره الركيزة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الأمني ومنع الانزلاق نحو الفوضى، لكنها في المقابل تربط مستوى الدعم وحجمه ونوعيته بمدى قدرة الدولة على اتخاذ قرارات سيادية واضحة وتنفيذها على الأرض. ومن هنا، فإن الإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى جنوب الليطاني يشكّل، في الحسابات الدولية، نقطة تحوّل تفتح الباب أمام تسريع تقديم مساعدات نوعية، سواء على مستوى العتاد أو التدريب أو القدرات اللوجستية، بما يسمح للجيش بمواكبة التحديات المتزايدة.

وفي هذا السياق، يبرز البعد الزمني كعنصر حاسم في المقاربة المطروحة، إذ تشير المعطيات إلى أن العام 2026 سيكون مفصليًا على صعيد هيكلية وانتشار الجيش اللبناني، مع تركيز خاص على عمليات التطويع لرفع عديده، بحيث يصل عدد العسكريين المنتشرين في منطقة جنوب الليطاني إلى نحو 15 ألف عسكري مع نهاية 2026. هذا الهدف مرتبط بانتهاء مهام "اليونيفيل"، ما يفرض على الدولة اللبنانية الاستعداد المسبق لملء أي فراغ محتمل بقواتها الذاتية. وعليه، فإن التسريع الذي يقوده رئيس الحكومة اليوم لا يمكن فصله عن رؤية أوسع تهدف إلى إعادة تثبيت دور الدولة كضامن وحيد للأمن، وإقناع المجتمع الدولي بأن لبنان، رغم أزماته، لا يزال قادرًا على الإمساك بزمام المبادرة إذا توافر له الحد الأدنى من الدعم المشروط بالفعل لا بالوعود.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: