في حديث حصري لموقع lebtalks،
تناول مصدر ديبلوماسي فرنسي الملف اللبناني من مختلف زوايا أزمته الخانقة.
ففي تقييمه لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وميزان القوى الذي أفرزته، اعتبر المصدر أن إجراء الإنتخابات بحد ذاته أمر
جيد، وهي تمت رغم التحديات والصعوبات التي كانت تستبعد حصولها، وقد سعت فرنسا مع المجتمع الدولي بكل ما أوتي لها من قوة لممارسة الضغوط اللازمة لحصول تلك الانتخابات في مواعيدها، سواء مالياً أو لوجستياً أو تقنياً، وتنظيم العملية الديمقراطية.
وقد حصلت فعلاً في أفضل الشروط والظروف الممكنة رغم المشاكل والمخالفات التي سُجّلت، مفرزةً نتائج مفاجئة إن دلًت على شيء فعلى أنها جرت من دون أي إعداد مسبق ونتائج معلًبة أو معدّة سلفاً، ما يثبت إمكان ممارسة الديمقراطية في لبنان حتى في أصعب الظروف.
النتائج أفرزت توازنات قوى جديدة، لكن ليس من الواضح وجود منتصرين وخاسرين خصوصاً في صفوف الأكثرية المشتتة، بحيث أصبح البرلمان الجديد مقسماً و مستقطباً أكثر من قبل، مع تعدّد الأحزاب والتحالفات والاصطفافات، وبات يتألف من "أقليات" يمكن أن تتحول الى أكثريات تبعاً للمواضيع.
ويتابع المصدر بأنه لا يمكن توقّع أكثرية مطلقة في كل المواضيع، بل ستتكون الأكثريات وفقاً للمواضيع والتوازنات والحسابات، وفي هذا "عين الديمقراطية" ولا ضير من ذلك شرط عدم شلّ العمل المؤسساتي.
ويتابع المصدر بأنه "علينا تذكير كل من إنتُخبوا أن الشعب اللبناني اختارهم، وبالتالي أمامهم مسؤوليات في معالجة أزمة النظام التي يواجهونها، ما يحتم عليهم العمل الجدي والفعلي لتحسين أوضاع اللبنانيين.
أما بالنسبة لرؤية فرنسا لدور حزب الله الإقليمي الخارج عن نطاق لبنان كحزب لبناني تعترف به،
فيقول المصدر إن حزب الله حزب لبناني لكنه أيضاً ميليشيا مسلّحة تقود عمليات إرهابية في المنطقة، والرئيس ماكرون كان واضحاً في الإشارة الى هذه الحقيقة، فيمل الجناح العسكري للحزب مصنّف على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية.
فالجناح السياسي يفرض نفسه كون الحزب لبناني يمثل شريحة من اللبنانيين وله وجود في الحكومات والبرلمان المنتخب، ومع ذلك فباريس تدين وتدين الأنشطة الإرهابية والعسكرية للحزب في المنطقة.
وأردف المصدر كاشفاً عن أن فرنسا تتواصل مع الحزب وسائر الأحزاب والقوى اللبنانية متوقعة دائماً أن يضعوا مصلحة اللبنانيين في صلب أولوياتهم و اهتماماتهم .
ورداً على سؤال حول أهداف جولة السفيرة آن غريو الأخيرة على القيادات والقوى اللبنانية،
أوضح المصدر أنه بعد الانتخابات النيابية اتخذت السفيرة المبادرة للقاء الرؤساء الثلاثة، عون وبري وميقاتي بالإضافة الى مختلف القوى اللبنانية الممثلة في البرلمان الجديد، وقد حصلت الجولة منذ أسبوعين واستكملت على المناطق والأحزاب الأخرى، والغاية منها الوقوف عند استعدادات وأراء وانطباعات القوى اللبنانية في ما خصً العملية الانتخابية والاستحقاقات الدستورية المقبلة لفَهم مواقف مختلف القوى حيال تلك الاستحقاقات وتموضعها إزاء الملفات المنتظرة، وتذكير الجميع بأولويات فرنسا التي هي، من الناحية السياسية تجنّب حصول انسداد سياسي بحيث يتمكن البرلمان من العمل، والنواب من اختيار رئيس وزراء جديد وضرورة تشكيل حكومة فاعلة وجدية بأسرع وقت، ومن ثم اجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها واحترام الإستحقاقات الدستورية.
وبحسب المصدر عينه، فإن باريس مهتمة بالتقدم في مجال الإنقاذ الاقتصادي والمالي والإجتماعي للبلاد، إذ إن الوضع بات كارثياً الاحتياطيات مستنفَدة والشعب يتألم والحلول أرجئت وأُهملت منذ 3 سنوات وأكثر، وقد سعت فرنسا لإيصال رسالة الى جميع القوى اللبنانية مفادها بأن اتفاقاً مبدئياً أولياً قد تم التوقيع عليه مع صندوق النقد الدولي المتضمن شروطاً عدة على لبنان تنفيذها، خصوصاً أان ثمة مشاريع قوانين موجودة حالياً في البرلمان كموازنة 2022 ومشروع قانون الرقابة على الرساميل وقانون السرية المصرفية، وجميعها بحاجة لإقرارها في البرلمان، بالإضافة الى تسريع البتّ في إعادة هيكلة القطاع المصرفي والتصويت عليه من قبل النواب والا لن يكون ثمة حلول.
فرنسا ساعدت وتساعد خصوصاً في موضوع تجنيد صندوق النقد الدولي، لكن يبقى على اللبنانيين أن ينفذوا الشق المتعلق بهم، وقد سعت باريس ولا تزال مع شركائها الدوليين لإقناعهم بمساعدة لبنان متى نفذ الشروط المطلوبة منه،"وقد أبلغنا لبنان بوضوح أنه لن يكون هناك مساعدة دولية قبل الإصلاحات، بحسب المصدر.
وبالسؤال عن موقف فرنسا من ملف ترسيم الحدود البحرية، أكد أن فرنسا تعتبر أن يكون لبنان يجب أن يكون موحداً ومتناسق وواضحاً، لأن من مصلحته التوصل الى حل تفاوضي، وبالتالي باريس تشجع حلاً تفاوضياً بين مختلف الافرقاء، وهي تدعم كل الجهود التفاوضية ولا سيما المبادرة الاميركية بالتفاوض، وعلى لبنان أن يكون له موقف واضح للمفاوضة بجدية لأن الحاجة لبنانية، علماً بأن استخراج الغاز لن يتم بسرعة، وبالتالي التعويل على الغاز لإنقاذ الوضع اللبناني الاقتصادي والمالي حالياً أمر غير دقيق، وليس بالإمكان الانتظار الى أن يبدأ التنقيب، ومن هنا ضرورة اللجوء الى حلول أخرى لتحسين وضعه ومعالجة أزماته الاقتصادية والمالية والإجتماعية.
وفيما يتعلق بمصير المبادرة الفرنسية في ظل تخوُفٍ لبناني من تخلّي فرنسا عن لبنان مع تكاثر الأولويات الطارئة كحرب أوكرانيا وأزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية الدولية، علًق المصدر على استخدام عبارة "مبادرة" معتبراً أنها من صنع بعض الصحافة اللبنانية، بينما في الواقع كان ثمة محوران للتحرك الفرنسي تجاه لبنان:
-الأول دعم واضح للشعب اللبناني وقد بذلت فرنسا منذ عامين جهوداً ضخمة وتقديم مساعدات من أموال دافع الضرائب الفرنسي لمساعدة الشعب اللبناني، ودعم جمعيات مدارس ومستشفيات (مئات ملايين اليورو صُرفت على مدى السنتين الماضيتين)، وتلك المساعدة ستستمر بأشكال مختلفة رغم الحرب الأوكرانية والأزمة الاقتصادية العالمية المستجدة، ففرنسا لن تترك لبنان كما وعد الرئيس ماكرون اللبنانيين.
أما المحور الثاني، فتجلى في تجنيد فرنسا لشركائها الدوليين لتقديم مساعدات إنسانية طارئة، كما الصندوق الفرنسي السعودي المشترك، وسياسياً تقديم المسؤولين اللبنانيين خطة خروج من الأزمة، وهي خطة تمر بتنفيذ إصلاحات بنيوية في مقابل تعهد فرنسا لاحقاً بتجنيد المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لصالح مساعدة لبنان، كل هذا بشرط إتمام إصلاحات وإعادة هيكلة الدين، وهي شروط نوقشت ووضعت في الاتفاق الأولي مع صندوق النقد لكن التأخير أتى من الجانب اللبناني.
ونفى المصدر ما أُشيع حول زيارة مسؤول فرنسي رفيع للضاحية الجنوبية في الأيام القليلة الماضية، مشيرأ الى أن التواصل مستمر مع حزب الله كما مع سائر الأحزاب والفرقاء اللبنانيين باستمرار وبشكل عادي، إن على مستوى السفيرة أو أي مستوى آخر، مشيراً الى أن فرنسا لطالما تكلمت مع الحزب حول سلاحه وضرورة تسوية الخلاف حوله من خلال استراتيجية دفاعية، الا أن إجابات الحزب على هذا الطرح كانت ولا تزال تتظهر من خلال الإصرار على التمسك بهذا السلاح.
وحول رؤية فرنسا لمستقبل لبنان،ختم المصدر أنه على اللبنانيين الذين لا تنقصهم القدرة والإرادة والطاقات أن يعملوا من أجل إنقاذ وطنهم ومؤسساتهم ودولتهم، فالكرة في ملعبهم وفرنسا مستعدة دائماً للمساعدة والمواكبة.