منذ أشهر، تحاول باريس تحقيق خرق رئاسي عجزت عنه عندما سعت إلى تأليف حكومة بعد انفجار الرابع من آب، يوم تمّ تكليف الدكتور مصطفى أديب، الذي استقال عند رؤيته "الفيتوهات" الشيعية وعدم قدرته على تأليف حكومة مثلما جرى الإتفاق عليها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لجهة أن تكون حكومة من اختصاصيين وغير خاضعين لأي فريق سياسي، من أجل أن يتسنى لها القيام بالإصلاحات المطلوبة.
وتؤشّر هذه التجربة الباريسية "الحكومية" إلى النتائج المرتقبة للحراك الفرنسي الحالي، وفق مصادر سياسية مسيحية، تعتبر أن باريس التي عجزت عن تأليف الحكومة لن تتمكن اليوم من باب "الثنائي الشيعي"، الذي عطّل إمكانية القيام بالإصلاحات المطلوبة، وإمكانية تشكيل الحكومة المطلوبة.
وبالتالي، تعتبر هذه المصادر أنه إذا كانت باريس، تعتقد أن بإمكانها من خلال مغازلتهما وتبنّي مرشّحهما، بأنها قادرة على الولوج إلى باب رئاسة الجمهورية، فإن هذا الأمر غير ممكن، مشيرةً إلى أنه كان من الأولى بالعاصمة الفرنسية، وهي الدولة المعروفة بديمقراطيتها تاريخياً، أن تكون مع القوى الديمقراطية في لبنان، التي تريد لبنان دولةً حرةً سيدةً ومستقلة، وأن لا تكون داعمةً ل"ثنائي"، يريد إبقاء الوضع اللبناني تحت سلطة وهيمنة محور "الممانعة"، الذي حال دون قيام دولة فعلية، كما حال دون الإصلاحات المطلوبة، وهو يتحمل كل المسؤولية عما وصل إليه لبنان اليوم.
وعليه، فإن الدور المطلوب من فرنسا، أو من أي دولة خارجية، هو تطبيق القرارات الدولية وحماية سيادة لبنان والدفاع عن الشعب اللبناني، وإعادة إحياء الدولة أو تحرير الدولة المخطوفة من قبل "حزب الله"، وليس المطلوب إطلاقاً من فرنسا أن تكرّس الواقع القائم على حساب الشعب اللبناني وعلى حساب الدولة اللبنانية، وفق المصادر، التي تشير إلى اعتقاد بأن فرنسا هي الأم الحنون للبنان، وأنها حريصة على هذه الدولة، وهي التي ساهمت في إعلان دولة لبنان الكبير، وفي هندسة إستقلاله الأول، ولكن يبدو أنها تبدّي مصالحها الذاتية على حساب القيم الفرنسية التاريخية المتعلقة بالمساواة والحرية والديمقراطية، وهي تضرب عرض الحائط كل هذه القيم إنطلاقاً من مصالح نفعية أو مالية، يتولاها رجل الأعمال جيلبير شاغوري، والذي يتردّد أنه دفع "ثمناً مرتفعاً" لزيارة رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى باريس.
في مطلق الحالات، تخلص هذه المصادر، إلى أن ما عجزت عنه باريس حكومياً، وما عجزت عنه في كل المرات السابقة، لن تتمكن منه اليوم، لأنها هي تخرج عن الخط اللبناني التاريخي، وعن الدور الفرنسي المطلوب كدولة أوروبية أساسية يفترض أن تكون حريصة على أن يستعيد لبنان إستقلاله، وأن لا يبقى إستقلال لبنان محتجزاً لدى محور الممانعة.
