في رحلة عالميّة إلى أطايب “عيد الكبير”

2018_3_30_16_13_55_854

كتبت ريتا عازار في نداء الوطن:

هلمّوا معي نطير على جناحَي دجاجة “العيد الكبير” المحشوّة على الطريقة اللبنانية الشرقية بالأرُزّ واللّحم والقلوبات، تعالوا معي نستعير فخذ الخروف المشكوك بفصوص الثوم والمتبّل بالنبيذ الأحمر والثوم المدقوق، والملح والبهارات والمشتعل بعود كبريت فوق قليل من الكونياك، ونطير على متنه ونحلّق فوق، فوق. عيد قيامة المسيح اقترب، ورجاء القيامة وصخرة إيماننا تثبت مع هذا الرّجاء، وإلى الثبات حان أيضاً زمن التحرّر من سجن العدس والبرغل والفاصولياء على ألوانها وكلّ ما رافقنا في زمن الصوم الكبير.

هكذا ننطلق فوراً من “حبس العدس” لنطير معاً ولنحلّق في سماء دول كثيرة من العالم ولنتذوّق أطايب عيد القيامة في كلّ دولة. أنا أستطلع وأذوق وأنتم تثقون بذوقي، أليس كذلك؟

هيا بنا في البداية من لبنان. أسمح لكم باختيار ما تشاؤون أو ما اشتقتم إليه، أنا سأتفرّج على “الدجاجة المحشيّة” وأفرح بأنها حاضرة معنا كما كانت على مائدة أمي، ولكنّني لن أبدأ لا بها ولا بـ “كانبيه السّلمون المدخّن” لا بقطعة “السان دانيال” الحبيب ولا بلقمة “كبّة نيّة” مع زيت الزيتون. أنا شوقي كلّه إلى ذلك الفخذ الحرزان الجالس في وسط المائدة مع حبّات البطاطا، أنت لي يا قطعة من خروف كان بالأمس يتحرّك سعيداً، وجئت اليوم تفرحني، بعد التهام بعضك. قد آكل قطعة “معمول بتمر” شغل البيت وأهله، أو قطعتَين أو ربما ثلاثاً، وسأترك الفستق والجوز لعشّاقهما، فأنا عاشقة “المعمول بتمر”. “مدّوا أيديكم” لا تستحتوا تفضّلوا! تريدون “بيض الشوكولا”؟ حسناً، أنا لي بالمفاقسة، وسأفوز عليكم بالبيض الذي ألوّنه مع غروب شمس سبت النور، هيا نفاقس وبعدها نعتلي أجنحة “الدجاجة المحشيّة” وفخذ الخروف اللذيذ، خفّفوا أحزمتكم، سننطلق هيا بنا:

أقلعنا من بيروت كالمحاشي، وطرنا، أنا أتذوّق نكهات العالم بنفسي وأنصحكم بما لذّ وطاب وعلى مسؤوليتي.

إلى إيطاليا

هناك في بلاد رجال الأناقة استقبلتني “كولومبا باسكوالي”، كعكة العيد التقليدية التي تشبه الحمامة في شكلها، لكنها للأسف لا تطير (إلّا إذا قذفتها في الهواء بعد حرقها في الفرن بالخطأ). تُغطّى هذه الكعكة باللّوز والسُّكّر والهيبة وتؤكل مع “قهوة إسبريسو” قوية لتوازن السّكّر الهائل فيها. الإيطاليون يقدّسون الأعياد، ويقدّسون الحلويات أيضاً. أكلتها كلّها وأنا أصرخ: “كولومبااااااااا كولومبااااااااا!” (ثم ندمت لأنني كنت أنوي صيام أربعين دقيقة بعدها، ولم أستطع).

إلى اليونان

التقيت “تسوريكي”، ذلك الخبز الرائع الذي يضمّ بيضة حمراء كأنها حجر كريم. اممم… يا لهذا الخبز الحلو ويا لهذا اللون الأحمر. عندما شاهدت رونق تلوين البيض تذكّرت أنني أخرج أحياناً ببيض يشبه كوكبَي المرّيخ وزحل، وفكّرت أنّ عليّ ربما ترك هذه المهمّة لليونانيين والتركيز على الطعام فقط! فقضمت “تسوريكي” وأنا أشعر أني أشارك في طقوس مقدّسة، لكني كنت أفكّر سراً: “طيّب ما في جبنة فيتا؟”.

إلى فرنسا

يا إلهي ماذا أرى! أنا أمام فخذ خروف آخر ولكن فخذ خروف في أوّل عمره بنكهة بروفنسياليّة “جيغو دانيو باسكال”. خروف “زغتور” مدفون بالثوم والأعشاب، كأنّ لبنان التقى فرنسا وقرّرا التعاون على إسقاط إرادة المعدة. في فرنسا، لا عيد من دون “جيغو دانيو باسكال”، وهو فخذ مشويّ. ببساطة، لو لم أشمّ رائحة اللحم المشوي في الأرجاء، لكنت حسبت أنني في المكان الخطأ!

إلى إسبانيا

“توريخاس” جعلتني أنسى اسمي. نعم، فالإسبان قرّروا جعل عيد الفصح المجيد مقرمشاً مع “توريخاس”، وهي شرائح خبز منقوعة بالحليب أو النبيذ، ثم تُغمس في البيض وتُقلى، وأخيراً تُغطّى بالعسل والسّكّر والقرفة. تُشبه إلى حدّ كبير وصفة فرنسية، لكن بما أنها إسبانية، فهي تأتي مع دراما إضافية وموسيقى فلامنكو في الخلفية. توست مغمّس بالحليب، مقلي، مغطى بالعسل، كلّ شيء فيه يصرخ: “وداعاً للحمية، مرحباً بالحبّ!”. استلقيت بعدها على بساطي الخيالي وفي بالي “توريرو” أنهكه القتال مع سكاكر مدريد.

إلى روسيا وأوكرانيا

صحيح أنّ حربهما ضروس، ولكن في كليهما، عيد القيامة مليء بالسّكّر والجبن. التقيت “كوليك”، وهو خبز طويل ومستدير يُغطّى بالجليد والسكر، فأكلته وكأنّني أمارس طقساً سلافياً قديماً، والتقيت “باسكا”، وهي حلوى غنية مصنوعة من الجبن القريش والزبدة والسّكّر. والنتيجة؟ سكّر زائد، وزن زائد، وسعادة زائدة! “باسكا” ليست مجرّد حلوى، إنها مخدّة نوم محشوّة بالسعادة!

إلى فنلندا

هنالك تساءلت: هل هذه حلوى أم تجربة كيميائية؟ “مامِّي”، حلوى مصنوعة من طحين الجاودار والماء والملح والمالت. قد تبدو الوصفة غير مشجعة، ولكنّ الفنلنديين يقسمون بأنها لذيذة. حسناً، أنا صدّقتهم، “مامّي” سوداء لزجة. غريبة، لكنّها لذيذة بشكل مرعب. شعرت أني أتناول شيئاً من “عالم تولكين” صاحب رواية “سيّد الخواتم”، لكنّ السّكّر طمأنني بعض الشيء.

إلى جامايكا

بساطة اسمها “بان أند تشيز”. قطعة خبز حلو وشرائح جبن. إنه الخبز البسيط الذي يشعل احتفالات عيد الفصح، تقليد بسيط ولكنه محبوب، وعلى الرغم من هذه البساطة أو ربما بسبب شدّة لذّته، رغبتُ في أكل رغيف كامل دون أن أشعر! وهكذا دمجتُ “بان أند شيز” في فمي فخرجت أغنية “ريغي” خفيفة. أكلت، ثم رقصت دون قصد.

إلى الإكوادور

الملعقة الأولى كانت مفاجأة، الثانية كانت كلّها مشاعر، الثالثة؟ كانت تأملاً وجودياً: “لماذا وضعتُ كل حياتي في هذا الطبق؟”. إنه حساء اسمه “فانيسكا”. فيه كلّ شي، حتى أنا، أهل الإكوادور يحتفلون بعيد القيامة مع “فانيسكا”. نعم إنه حساء يحتوي على: الحبوب، القرع، السمك المملّح، وحتى حبّات الذّرة الضائعة. إنه حساء غنيّ جدّاً، حتى أنّ بعض الناس يقرّرون الصيام مجدداً بعد تناوله!

إلى المكسيك

في بلاد السامبريرو، علمتُ أنّ الاحتفال بعيد القيامة لا يكتمل بدون “كابيروتادا”، ذلك “البودينغ” العجيب المصنوع من الخبز والجبن والفواكه المجفّفة والمكسّرات. تقول الحكاية إن كلّ مكوّن فيه يرمز لجزء من قصة الصّلب. ذاك “البودينغ” الذي يحمل معاني دينية لذيذ جداً ويؤكل بسرعة البرق.

إلى بولندا

في موطن القديس يوحنا بولس الثاني حساء قد يوقظ الموتى. إنه طبق يتحدى كل الأذواق، اسمه “زوريك”، حساء حامض مصنوع من خميرة الطحين المخمّرة، ويُقدّم مع البيض المسلوق والنقانق. لا أعرف مَن قرّر أن يكون الحساء الحامض طبقاً احتفالياً، أتراه الطقس أم الطقوس؟ ولكن من المؤكّد أنّ من يتذوّقه سيستيقظ فوراً، سواء من النكهة الحامضة أو من تأثير النقانق الثقيلة. لكن الكلام في سركم إنه شهيّ جداً!

إلى الأرجنتين

في بلاد البابا فرنسيس ومارادونا وميسي، تذوّقت الفطيرة التي تحبّ البيض. نعم، الأرجنتينيّون يحتفلون مع فطيرة “باسكوالينا”، وهي فطيرة محشوّة بالسبانخ والبيض المسلوق، إنها رائعة لدرجة أنني تناولت قطعة، ثم قرّرت أنني أحتاج إلى أخرى، وهكذا حتى انتهت إقامتي عندهم!

إلى جورجيا

“يخنة العيد” هناك ملأتني بالسعادة. الجورجيون لديهم “تشاكابولي”: “يخنة لحم الخروف” مع الأعشاب والنبيذ الأبيض. إنها طبق دافئ ومليء بالنكهات، مثالي لتعويض كلّ السّعرات الحراريّة التي فقدتها في الصوم، أو التي لم أفقدها أبداً!

وأخيراً عدت إلى لبنان، محمّلة بالدهون والحب! بعد جولة حول العالم تذوّقت فيها كلّ شيء، من اللّحوم إلى المعجّنات إلى الحساء الغريب، وكنتم رفاقاً طيّبين تركتموني أستمتع. شكراً لرباطة جأشكم، اذهبوا واشتروا “لحم بعجين” لتأكلوا، واذكروني باثنتين. والآن، عذراً، سأذهب للاستلقاء حتى أهضم كل هذا الطعام ودمتم بخير… والمسيح قام!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: