أن يتفاجأ المرء بالمتوقّع، وأن يجرّب ويكرّر المجرَّب هو من الأمور التي عهدناها وشهدناها وشاهدناها في لبنان عبر مسؤوليه الرسميين، وعبر القيّمين على مصير البلاد والعباد بحكم الموقع وبحكم القوة العسكرية الغاشمة، وهذا طبعاً أمر غير صحي وغير ناجع في إدارة البلاد، ولا في نتائج قرار المقرّرين في السلم أو في الحرب، كما سيتبيّن من مشهدَين معبِّرَين.
-في المشهد الأول: لقد شاهدنا وشهِدنا وعانينا ما عهدناه طيلة سنين من تكرار “تفاجؤ” السلطات والمسؤولين من “آثار العدوان” التي أحدثته وتحدثه الأمطار كل سنة من “طوفان” في كل أول “شتوة” وما يليها من “شتوات”على الطرقات الرئيسية والفرعية وعلى ضفاف الأنهر وفي المنازل…وما تشكّله من شلّ للطرق وتعطيل لحياة المواطنين، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والمادية التي تتسبب بها.
المسؤولية الأولى هنا تقع على عاتق الدولة وخصوصاً وزارة الأشغال العامة، وهي ليست وحدها طبعاً، والتي يتولاها اليوم الوزير علي حمية الذي صالَ وجالَ قبل أشهر من اقتراب “موسم الأمطار” وطوفانها مبشّراً مطمئناً ومؤكداً قيام وزارته بما يلزم من وقاية واستباق لعدم تكرار ما وقع فيه أسلافه من “تفاجؤ” متوقَّع…لنتفاجأ بأن الوزير لا يختلف عن مَن سبقوه من الوزراء، والذين لطالما اتهمهم حزب الله بالفساد والتقاعس وقبض الرشى، ما أدّى الى الكوارث المتكرّرة المعروفة، علماً أن الوزير حمية سبق له أن قال في 6 أيار 2023 :”أنا أفتخر بأني أمثل حزب الله في الحكومة”.
في المشهد الثاني، ومع نفس البطل
وعلى قاعدة التأييد ل”طوفان الأقصى” و دعم غزة، وقاعدة استباق وتجنّب ومنع الغزو البرّي، وتخفيف الضغط عن الجبهة الغزّاوية، وأخيراً على قاعدة ردع إسرائيل من الاعتداء أو التمادي في اعتداءاتها على غزة ولبنان، يقوم حزب الله منذ 8 تشرين الأول الماضي بما سماها أمينه العام السيد حسن نصرالله عمليات “إشغال ومشاغلة” للعدو قد تتدحرج الى حرب مفتوحة استناداً الى أن “كل الاحتمالات مفتوحة”، مما يحملنا على توقّع مكرّر مجرّب أيضاً تحت شعار “لو كنتُ أعلم”.
وفي التدقيق بالأهداف الموضوعة ل”عمليات الإشغال” على الجبهة الجنوبية والمتوقَّع انعكاسها إيجابياً على الساحة الفلسطينية وما تحقّق منها حتى الساعة، نرى أن عمليات الحزب في الإشغال” تمخّضت ازدياداً وعتوّاً في الاعتداءات على غزة وجنوب لبنان، كما أن “إشغال الحزب” لم يوقف التوغّل البرّي الذي أصبح شبه مكتملٍ لشمال غزة، ويتحفّز للتوسّع نحو جنوب وشرق القطاع، مع تسجيل إمعانٍ مستمر للعدو الإسرائيلي في قصفه وتدميره واحتلاله لمستشفيات القطاع.
وتبقى الخشية من تكرار المفاجآت من “المجرَّبات” “المتوقَّعات” لِمَا لها من تكاليف باهظة على الإنسان والأوطان، دُفعت وقد تُدفع في أكثر من مكان وزمان.