قراءة في انقلاب المشهد الإقليمي واللبناني

علم-لبنان-الخراب (1)

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة عدم استقرار استراتيجي كبير تصاحبها تقلبات لا بل انقلابات في التحالفات والمحاور التي لطالما طبعت المشهد الإقليمي على مر عقود .
ما يحصل من تحولات أساسية في الخريطة الإقليمية، ناجم عن مرور المنطقة في فترة انتقالية بين نظام عالمي – إقليمي انتهى ونظام جديد لم يلد بعد – ولا تزال تتكون عناصره الجديدة .

نأخذ مثال القضية الفلسطينية التي لطالما كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية الأولى – باتت اليوم بحكم المغيبة عن اهتمامات العرب – لاسباب عدة من بينها : سؤ إدارة الفلسطينيين أنفسهم لملف تحرير وطنهم بفعل الإنقسامات الداخلية الحادة، ما انعكس على قدرتهم في استمرار تحشيد العرب للوقوف الى جانبهم وصولا' إلى تفضيل قسم من الفلسطينيين التحالف مع إيران والتخلي عن التضامن والحضن العربيين .
وقد فشل الفلسطينيون في قراءة التحولات الإقليمية في العالم العربي منذ ما بعد 2011 – تماما كما فشلوا في قراءة التحول العربي غداة التحالف العربي الدولي - ضد الرئيس صدام حسين إثر اجتياحه الكويت والتكيف معه آنذاك – فكان ما كان من قطيعة عربية لياسر عرفات والقيادة الفلسطينية التي كانت الوحيدة المغردة خارج الإجماع العربي ضد صدام .

مثال اخر لا يقل أهميةً وخطورةً – وهو أن الرأي العام العربي ولا سيما الخليجي – وهو الذي كان الأكثر تأثيراً على الدوام في المناخات العربية وفي استنهاض القدرات العربية لدعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية العادلة – هذا الرأي العام تغيرت نظرته جذرياً الى العدو الحقيقي – بعدما كشفت الجمهورية الإسلامية في ايران عن حقيقة نواياها ومخططاتها التوسعية في المنطقة وتصديرها الثورة الإسلامية الشيعية الصفوية على حساب أمن وسلامة واستقرار الدول العربية في المنطقة .
فتكونت اليوم قناعة عربية بضرورة المفاضلة بين عدوين : عدو احتل أرضاً عربية ( إسرائيل ) لكن لم يعتدي على دول المنطقة بل أراد اعترافها به في مقابل تسوية سياسية ما – وعدو آخر ( ايران )أاشد فتكاً بالمنطقة والدول العربية – انتشر في بعض الدول واحتلها وحاول ولا يزال محاصرة العالم العربي وضرب استقراره .
فكما ان الغرب ( بريطانيا ومن ثم واشنطن فأوروبا ) زرع كياناً صهيونياً غاصباً في فلسطين – كذلك هذا الغرب نفسه هو الذي زرع كيانا ثوريا عقائديا في ايران – لاستمرار الزعزعة واللااستقرار كي لا يستطيع العرب التقدم والتطور ويبقوا منشغلين في ازماتهم وتهديدات محيطهم .
واليوم واذا كان هذا الغرب يسعى لتقليم أظافر ايران النووية – فليس لإضعاف الجمهورية الإسلامية بل لمنع العرب من امتلاك السلاح النووي – نتيجة تسابق في التسلح النووي فيما لو وصلت طهران الى هذا السلاح .
وبقدر ما هو مسموح لإيران بأن تصبح قوةً إقليمية فاعلة – بقدر ما ليس مسموحاً لها بأن تصبح دولة متساوية في القوة مع إسرائيل وبخاصة في المجال النووي .
من هنا الإتفاق الأميركي – الروسي – الإسرائيلي – على ضرورة تحجيم أي تزايد للنفوذ الإيراني في سوريا ولوجودها العسكري هي وميليشياتها وفي طليعتهم حزب الله اللبناني - والتوافق الدولي الإقليمي – والضمني مع الصين والروس – على عدم السماح لإيران من الوصول الى السلاح النووي .
ففي هذا الخضم - نجد العرب ولا سيما دول الخليج والراي العام فيها – يفاضلون بين العدوين – ولم يعد محرجاً لهم التحالف او التعاون مع إسرائيل وابرام اتفاقيات تطبيع او حتى سلام معها – وقد تمكنت إسرائيل بذلك من الدخول في الضمير الجماعي العربي كطرف ممكن التفاهم والتعاون معه لمواجهة العدو الأخطر والاكبر : إيران .
وهذا التحالف بلغ حداً باتت فيه إسرائيل في صلب القيادة العسكرية الإقليمية جنباً إلى جنب مع القيادة العربية والخليجية - وفي مقدمة التحالف العربي المناهض لإيران .

هكذا وبعدما كانت دول الخليج تهب لمساعدة ومؤازرة اشقائها العرب في ازماتهم كما في فلسطين كذلك في لبنان على سبيل المثال – على مر عقود – أصبحت الازمة اليوم في عقر دارها – وتلك الدول باتت اليوم محاصرة بالتحديات والأزمات والتهديدات الداهمة من الشرق وتحديداً من ايران – الدولة الثورية العقائدية التوسعية الساعية الى امبراطورية صفوية شيعية متطرفة نقيضة دينياً وسياسياً واقتصادياً لنموذج دول المنطقة التاريخي – فتغيرت بالتالي أولويات تلك الدول - ومعها تغيرت نظرتها الى قضايا المنطقة وأسلوب معالجتها وسياساتها لانها أصبحت في مقدمة المواجهة .

من هنا يمكن فهم تبدل الأساليب والعقليات في التصدي لملفات المنطقة – ومن هنا يجب على اللبنانيين أن يفهموا بأن دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ومملكة البحرين ودولة الكويت – لم تعد لهم نفس المقاربات التاريخية بالنمطية التسووية والتصالحية التي كانت اهم إزاء الملف اللبناني تاريخياً – اذ وبعدما وصلت النار الى أبواب منازلهم - لم يعد بإمكانهم التساهل مع أي طرف يناصرهم العداء أو يتحالف أو يتواطأ أو يتساهل ويتعاون مع عدوهم الأول أي ايران .

فكما كانت تتحكم في تسوية الخلافات والنزاعات التاريخية بين لبنان وسوريا - المعادلة الشهيرة بأن لا تكون أي من الدولتين الجارتين - قاعدة انطلاق للعمل العدائي ضد الدولة المجاورة – وأن لا تكون مصدر أي تهديد جيو سياسي لها – كذلك اليوم في علاقات لبنان مع دول الخليج – تحديداً باتت المعادلة نفسها مع لبنان تجاه أي تهديد يمر عبره او يقف لبنان الى جانبه، ونعني تحديدا' التهديد الإيراني ودور حزب السلاح الإيراني في لبنان .

من هنا نختم بالإشارة الى أن الخلاف المستحكم حالياً بين لبنان والخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية ليس كخلاف بين أشقاء – هذه المرة – بل اصبح فعليًا وحقيقة خلافاً عدائياً بين أعداء يصر الجزء الساذج من اللبنانيين على اعتباره عابراً فيما في الحقيقة هو أعمق وأخطر وأشد إيلاماً لأن لبنان أصبح حالياً في صلب المواجهة الإقليمية في المحور المناهض للعرب ودول الخليج – لا بل ساحةً أساسية من ساحات الصراع ضد المنظومة العربية الخليجية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: