شكّل القرار الذي اطلقه وزير العمل مصطفى بيرم مفاجآة لدى اللبنانيين، لم تكن في محلها لا في المكان ولا في الزمان، تمثلت بقرار يسمح للاجئين الفلسطينيين بمزاولة المهن المحصورة باللبنانيين فقط ، فيما القانون اللبناني يمنع الأجانب، ومن ضمنهم الفلسطينيين من العمل بأكثر من 70 مهنة كالطب والصيدلة والهندسة والمحاماة ورئاسة تحرير الصحف وغيرها، لكن في الامس باتت متاحة لهم بموجب قرار بيرم، الذي برّره بمقتضيات المصلحة العامة ومراعاة للظروف الاقتصادية، التي استدعت إعادة النظر بلائحة المهن الواجب حصر ممارستها باللبنانيين، فيما المطلوب تعزيز فرص العمل للشعب اللبناني، في ظل البطالة المستشرية وتسريح العاملين المستمر بسبب الاوضاع الاقتصادية الكارثية.
الى ذلك صدرت مواقف سياسية لبنانية شاجبة لهذا القرار، بسبب وجود مخاوف من توطين مبطّن مرتقب، رافضة اي حلّ لقضية الفلسطينيين على حساب لبنان كما جرت العادة، انطلاقاً من منحى طائفي، خصوصاً انّ لبنان واللبنانيين دفعوا ثمناً باهظاً جداً عن هذه القضية، ومع انتهاء الحرب اللبنانية حصل إجماع بكل الفئات السياسية على رفض التوطين، والتأكيد على حق عودة الفلسطينيين الى ديارهم، بحسب القرارات الدولية لا سيما القرار 194
في غضون ذلك وفي هذه الظروف الخطيرة التي ترافق لبنان، عاد مشهد التوطين ليخيف اللبنانيين من كل النواحي، وبصورة خاصة من الناحية الديموغرافية، لان المجتمع اللبناني محكوم بالتوازنات الطائفية، التي تشكل قنبلة موقوتة تهدّد هوية لبنان، من مختلف الجوانب والمنعطفات السياسية الحادة التي يمّر بها ، مع التذكير الدائم بأنّ السلطة اللبنانية كانت ولا تزال مقصّرة في إعطاء الحقوق الاساسية للبنانيين، فكيف تعطيها اليوم للآخرين المقيمين على ارضها…؟، وهذا يعني ضرورة التصّدي لما يُحضّر على ما يبدو على نار هادئة خارجية، لبلد ضعيف يعيش شتى انواع الانهيارات، ولا قدرة له على انقاذ نفسه، لذا يستمر بدفع الاثمان عن غيره، خصوصاً انه دفع اثمان اللجوء الفلسطيني، الذي انتج حرباً على ارض لبنان، فجعل منه ارضاً مستباحة للمسلحين منذ عقود ولغاية اليوم.
