قطر تستحق الشكر العالمي – وأكثر من ذلك بكثير

Frame_428_min_8eb5590508

يرى رودي بارودي أن قطر تستحق جائزة نوبل للسلام، نظراً لدورها الفعّال في الوساطة بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وسجلها الطويل في حل النزاعات سلمياً.
ويؤكد أن التزام قطر بالسلام، رغم التحديات والانتقادات، جعلها منصة عالمية موثوقة لتعزيز الأمن والاستقرار الدولي.

يترقب العالم نتائج وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، راجياً أن يصمد وأن يكون بداية لمسار دائم نحو السلام. إن تحقق ذلك، فسيُتنفّس الصعداء في شتى أنحاء المعمورة. أما إن لم يصمد، فإن دولة قطر تظل جديرة بالترشح لنيل جائزة نوبل للسلام.

نعم، قرأتم ذلك بشكل صحيح: حتى لو انهار هذا الاتفاق – الذي لعبت قطر دوراً محورياً في تحقيقه – فإنها ما تزال تستحق أرفع جوائز السلام الدولية.

أقول ذلك لأن السلام يظل القضية الأهم في عالمنا، ولا توجد دولة – قياساً بحجمها – قدمت للسلام كما فعلت قطر.

فالسلام ليس مجرد صورة بروتوكولية، ولا مجرد هدنة تسكت أصوات البنادق لفترة مؤقتة، ولا مجرد عرفان جميل ممن نجوا من ويلات الحرب؛ بل هو ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، وتحرير الموارد للاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والبنى التحتية. لذا، فإن صناعة السلام لا تعني فقط غياب الحروب، بل تفتح الباب لتحسين جذري في حياة الشعوب – ومن يقدّم هذه الفرصة للآخرين، يستحق كل تقدير.
وفق هذا المعيار ،فإن ترشيح قطر لجائزة نوبل يستند إلى أساس متين، وقد كان كذلك منذ سنوات، حتى قبل أن تطلب أقوى دولة في العالم وساطتها لإقناع إيران بوقف إطلاق النار.

يكشف سجل قطر في السياسة الخارجية، خلال ربع القرن الأخير، عن التزام شبه كامل بحل النزاعات سلمياً. فقد لعبت الدبلوماسية القطرية دوراً محورياً في التوسط أو التهدئة في أزمات وصراعات متعددة، من أفغانستان إلى دارفور، ومن غزة إلى لبنان، ومن اليمن إلى السودان، مروراً بملفات شائكة مثل العراق، إريتريا، روسيا وأوكرانيا، وحتى في حل الخلافات الدستورية المعقدة في الكثير من الدول.

وقد شملت إنجازاتها إنهاء حروب أهلية، ومنع نشوب أخرى، وتبادل آلاف الأسرى، وتأمين هدن مؤقتة، وحل أزمات سياسية حادة، والأهم: بث الأمل في نفوس ملايين البشر.
لذا، ليس غريباً أن تكون الدبلوماسية القطرية في حالة نشاط دائم. صحيح أن بعض المبادرات لا تصل إلى مبتغاها، لكن المحصلة النهائية تؤكد أن الاستثمارات السياسية والمالية في مسار السلام تثمر نتائج ملموسة. فالنجاحات تعزز من مكانة قطر، أما الإخفاقات فترسّخ التزامها بالحوار، وتكسبها خبرات متراكمة تجعل من تحركاتها المستقبلية أكثر فاعلية اذ ان الديبلوماسيين القطرين يكتسبون خبرات اضافية مع كل مبادرة تقوم بها قطر.

ساعدت هذه الفاعلية على ترسيخ صورة قطر كوسيط نزيه وموثوق، ما منحها نفوذاً متزايداً وقدرة استثنائية على المناورة.
طبعاً، هناك عدد من المنتقدين. فبعض المسؤولين الأمريكيين، مثلاً، أعربوا عن تحفظهم تجاه علاقات قطر مع أطراف مثل “حماس” و”طالبان” و”الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
لكن المفارقة أن واشنطن نفسها، وكذلك باريس، لجأتا إلى قطر عندما أرادتا إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، وساعدتهما في التواصل مع إيران وحزب الله بهذا الخصوص.
وعندما سعت الولايات المتحدة للإفراج عن جنود ومدنيين إسرائيليين محتجزين في غزة، كانت قطر هي الجهة القادرة على تحقيق ذلك.
وفي عهد إدارة ترامب الاولى، حين اقتضت الحاجة ترتيب انسحاب منظم للقوات الاميركية من أفغانستان، استضافت الدوحة المفاوضات.
واليوم، حين قررت الإدارة الأمريكية الحالية السعي لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران، كانت قطر هي من أقنعت الإيرانيين بالجلوس إلى طاولة الحوار – رغم أن إيران نفسها كانت قد ردّت بصواريخ على قاعدة أمريكية داخل قطر!

لقد أصبحت قطر منصة اساسية لنشر السلام، وذلك لم يكن من قبيل الصدفة. بل هو نتاج رؤية استراتيجية طموحة قائمة على المبادئ والأهداف، برعاية قيادة تؤمن بأن احترام القانون الدولي والحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين مسألة وجودية لدولة مثل قطر.

لقد ورث سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ملامح هذه الاستراتيجية من والده، لكنه طوّرها ووسّع آفاقها، وعمّق التزام الدولة بها. وحتى – وربما تحديداً – في الأوقات التي بدت فيها هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، لم يتراجع سموه، بل واصل البناء على أسس علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون.

وقد لاحظ الفاعلون الدوليون – الرسميون وغير الرسميين – هذا الثبات، ولاحظوا ايضا ان بعض خصوم الأمس باتوا يحاكون النهج القطري في التعامل مع الأزمات بل بدؤوا في تقليده.

لهذا كله، فإن قطر تستحق جائزة نوبل للسلام. ليس فقط لأنها نجحت في التوسط لوقف إطلاق نار وانهت حربا بين دولتين على شفا صراع مفتوح، بل لأنها الدولة الأكثر التزاماً بفكرة السلام كقيمة عليا ومبدأ راسخ.

وما يميز هذا الالتزام هو الرؤية التي تقف وراءه: أن الدولة لا يجب أن تسعى للصراع، بل تسعى لتجنّبه بكل وسيلة، وإن وقع، تعمل على الحد من آثاره وتقليص دائرته.

وما هو أسمى – وأجدر بجائزة نوبل – من هذا النهج النبيل؟

رودي بارودي خبير في الطاقة والسياسات، يتمتع بأكثر من أربعين عاماً من الخبرة في التعاطي مع  القطاعين العام والخاص. وهو مؤلف لعدة كتب، ويشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لشركة “Energy and Environment Holding”، وهي شركة استشارية مستقلة مقرها الدوحة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: