قد تتمثل أبلغ الدلالات البارزة الى أولوية الجهود الآيلة لمنع تمدّد الحرب من غزة إلى لبنان، في حرب كبيرة، أن فرنسا المنهمكة باستحقاق انتخاباتها المبكرة وتداعياتها السياسية التاريخية بعد الدورة الأولى أمس، لن تتخلف عن متابعة الملف اللبناني من زاوية التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وجهود الأخيرة لمنع حرب شاملة في لبنان. ولذا سيكون تطوراً مهماً أن تستقبل باريس بعد يومين المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين في مؤشر لافت إلى تواصل التنسيق وتكثيفه بين الدولتين حيال الوضع الخطير في لبنان.
في هذا السياق، افادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أمس أن هوكشتاين سيزور العاصمة الفرنسية يوم الأربعاء المقبل لوضع الجانب الفرنسي في صورة الاتصالات التي اجراها في تل ابيب وبيروت من أجل منع توسيع حرب غزة إلى لبنان. ويستبعد التحليل الفرنسي قبيل وصول المبعوث الأميركي أن يشنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرباً واسعة على لبنان قبل توجهه إلى واشنطن لالقاء خطابه أمام الكونغرس في 24 تموز الحالي، لأنه لن يزور واشنطن وهو يشنّ حرباً ثانية خلال الحملة الانتخابية الأميركية، خصوصا وأن واشنطن، حذرت على لسان الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته، الجانب الإسرائيلي تكراراً من شن حرب أخرى.
وكان هوكشتاين أكد للبنانيين في زيارته الأخيرة خطورة الوضع وضرورة تهدئة جبهة الجنوب، ونقل هذا التحذير الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينقل الرسالة إلى “حزب الله”. والقراءة الفرنسية للموقف الإسرائيلي تتمثل بأن نتنياهو سيلقي خطاباً تصعيدياً في الكونغرس ضد “حماس” و”حزب الله” وإيران، وأنه قد يقوم بعملية واسعة في لبنان بعد زيارته واشنطن. وبحسب التحليل الفرنسي أنه ما دام “حزب الله” يربط لبنان بالحرب الإسرائيلية على غزة فهو يوفر المبرر لنتنياهو لتوسيع نطاق الحرب إلى لبنان، وأن نتنياهو لن يكتفي بفرض طوق وقائي عسكري إسرائيلي في الجنوب اللبناني، لكنه قد يوسّع الحرب إلى كل لبنان وهذا أمر مقلق جداً.
وتدخل بيانات الدول الأجنبية من ألمانيا إلى كندا وغيرها بمنع مواطنيها من التوجه إلى لبنان في اطار الضغوط التحذيرية التي تقوم بها هذه الدول من أجل دفع الجانب اللبناني إلى الضغط لوقف التصعيد والمواجهة مع إسرائيل. وتستبعد القراءة الفرنسية للوضع الحالي الداخلي في لبنان أن تنجح المساعي لانتخاب رئيس طالما “حزب الله” لن يتزحزح عن موقفه الرابط بين الجنوب وانتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، فالوضع سيبقى معطلاً على صعيد الملف الرئاسي.
وعلمت “النهار” أن فرنسا تسعى إلى مساعدة اللبنانيين في ملف حل مشكلة النازحين السوريين عبر اتصالات مع المفوضية العليا للاجئين كي تطلق حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين إلى بلدهم، علماً أن “حزب الله” يستعمل هذا الملف كوسيلة لمساعدة النظام السوري على إخراجه من عزلته لدى الأسرة الدولية. لكن عدداً من القيادات العربية أعربت لأوروبا عن عدم التزام النظام السوري بوعوده بالنسبة لمكافحة انتاج وتصدير الكبتاغون وأيضاً بالنسبة لعودة النازحين السوريين إلى بلدهم.
للسلام… ضد الحرب
أما داخلياً في لبنان واستجابة للقاء الروحي الذي عقد في بكركي الأسبوع الماضي بحضور أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، أقيمت أمس “الصلاة للسلام” في قداديس الأحد، لا سيما القداس الذي ترأسه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، والقداس الذي ترأسه متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة.
وقال الراعي: “إنّنا نصلّي من أجل إيقاف الحرب في غزة وجنوب لبنان، وإحلال سلام عادل وشامل فيهما”، مشدّداً على أنّ “إلهنا إله سلام وأخوة لا إله حرب”. وأشار إلى أنّ “الحرب تدمّر جنى الأعمار، تقتل المواطنين المسالمين، وتهجّر الآمنين من بيوتهم. وفي الحرب ليس من رابح، بل الجميع خاسرون”، مركّزاً على “أنّنا نصلّي إلى إله السّلام والأخوّة، كي يمُسّ ضمائر أمراء الحرب ويحوّلهم إلى فاعلي سلام، ففي الحرب الكلّ خاسرون وضعفاء”.
وشدّد على “أنّنا كم نتمنّى لو أنّ الّذين يتعاطون الشّأن السّياسي يدركون أنّهم مدعوّون ليقدّسوا ويتقدّسوا في عملهم السّياسي، لأنّه بالأساس هو فنّ شريف موجّه لخدمة الشّخص البشري، ولإنمائه بكّل أبعاده، ولتوفير العدالة والسّلام والاستقرار الأمني بمؤسّسات الدّولة النّظاميّة، فيسارعون إلى الاهتمام بشؤون الشّعب الاجتماعيّة، الاقتصاديّة والأمنيّة، وينتخبون رئيساً للجمهوريّة وفقاً للدّستور الواضح والصّريح، ما يعيد ثقة المواطنين بشخص الرّئيس وبمؤسّسات الدّولة الدّستوريّة”.
من جهته، قال المطران عودة: “نرفع الصلاة من أجل السلام في العالم أجمع، وفي الجنوب اللبناني وغزة الجريحة بشكل خاص. نصلي لكي يبسط الله سلامه الذي من العلى على منطقتنا، وعلى بلدنا، ويبعد عن شعبه شبح الحرب وويلاتها، ويمنح أبناءه المحبة والفرح والسلام والإستقرار. إن ما يحصل يومياً من عنف وتدمير ووحشية قل مثيلها في الأرض التي ولد فيها الرب يسوع وتألم وقام من بين الأموات، يندى له الجبين.
قتل وتنكيل بالأطفال والشيوخ والنساء، صور ظننا أنها من العصور البائدة لكنها تتكرر أمام أعين العالم منذ أشهر وما من حل في الأفق. وحدها الصلاة بقلوب نقية تستطيع أن تخرج منطقتنا من أتون النار ووحشية البشر، لأن حكام الأرض لا يأبهون إلا لمصالحهم ومراكزهم، أما الشعوب المستضعفة، فليس لها إلا الله والأمل بأن يصحو البشر على إنسانيتهم ويسمعوا صراخ ضمائرهم”.
غارات وجدار الصوت
أما ميدانياً، فواصلت إسرائيل غاراتها مقترنة بعمليات خرق جدار الصوت لإحداث الذعر بين اللبنانيين. واستهدفت أمس غارة إسرائيلية منزلاً في بلدة حولا، مخلّفة دماراً كبيراً، ما أدى إلى سقوط 3 عناصر نعاهم “حزب الله” وهم: نصرات حسين شقير من بلدة الصوانة، وجلال ضاهر من بلدة حولا، وحسين محمد سويدان من بلدة عدشيت القصير. وقد سبق ذلك قصفٌ مدفعي استهدف البلدة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيانٍ، أن طائراته الحربية هاجمت خلال الليل بنية تحتية عملياتية وعسكرية تابعة لـ”حزب الله” في منطقتي الطيبة ورب ثلاثين في جنوب لبنان.
وليل السبت – الأحد خرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت فوق غالبية المناطق اللبنانية في الجنوب وصولاً إلى صيدا وبيروت والبقاع الغربي والمتن وكسروان والشمال، وفي البقاع أربع مرات، ما أثار حالة من الهلع بين اللبنانيين.
ومساء امس أعلن “حزب الله” أنه نفذ هجوماً جوياً بِسربٍ من المسيّرات الإنقضاضية على مقر كتائب المدرعات التابعة للواء 188 في ثكنة راوية، كما استهدف المشغل العسكري التابع لِثكنة بيت هلل بصاروخ “فلق”. وفي وقت لاحق، أفادت وسائل اعلام إسرائيلية أن تسعة جنود إسرائيليين أصيبوا بجروح بينهم إثنان جراحهما خطيرة وذلك نتيجة سقوط مسيّرة مفخخة في قاعدة إسرائيلية في الجولان.
وفي سياق المواقف الإسرائيلية من المواجهات، كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، “غيّر موقفه” بشأن فتح جبهة جديدة للحرب في الشمال مع “حزب الله”. وأشاروا إلى أن غالانت “كان يعتقد مثل بعض المسؤولين الآخرين في الحكومة الإسرائيلية، أنه يجب الرد بتدمير “حزب الله” وحماس بعد هجمات السابع من تشرين الأول”. وأوضح المسؤولون أن وزير الدفاع الإسرائيلي “غيّر موقفه في الوقت الحالي”، ويرى أن “فتح جبهة جديدة لن يكون قراراً حكيماً”.
لكن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس شدد أمس على أن “الرسالة التي بعثت بها إيران في ما يتعلق بشن “حرب إبادة” في حالة تنفيذ إسرائيل عملاً عسكرياً واسع النطاق في لبنان تجعلها تستحق التدمير”. أضاف كاتس في منشور على منصة “إكس”: “النظام الذي يهدد بالتدمير يستحق التدمير”.
بدوره قال وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن “لا مفر من حرب حاسمة وسريعة مع حزب الله”. وتابع: “لا أستخف بالثمن المتوقع لحرب لبنان لكن أي ثمن ندفعه اليوم سيكون أقل بكثير مما سندفعه إن لم نتحرك”.