تلفح رياح التوتر من جديد سماء جنوب لبنان، حيث تتكرر المواجهات العسكرية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وتُعيد إلى الأذهان فصول صراع دام لم يُحسم بعد. لكن هذه المرة، تبدو الأمور مختلفة، فحزب الله، الذي لطالما سوّق لنفسه كصاحب قدرة معتبرة على الردّ بقوة على أيّ اعتداء إسرائيلي، يُظهر تريثاً ملحوظاً في الردّ، تاركاً المجال للتساؤل حول طبيعة قواعد الاشتباك الجديدة، وحقيقة التزامه وحده بهذه القواعد.
يُعاني حزب الله من ضعف ملحوظ في المواجهة جنوباً، وذلك لأسباب عدّة، أهمها الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها في الحرب السورية، والتي أدت إلى نقص كبير في الكوادر البشرية المؤهلة. كما أنّ الأزمة الاقتصادية التي يُعاني منها لبنان ألقت بظلالها على الحزب، حيث أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين اللبنانيين، ممّا زاد من سخطهم على حزب الله، وجعلهم يُشكّكون في قدرته على حمايتهم. ناهيك عن العقوبات الدولية المفروضة على الحزب، والتي تُعيق حصوله على الأسلحة والمعدات العسكرية والأموال بسهولة.
يُظهر حزب الله تريثاً ملحوظاً في الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك لأسباب عدّة، أهمها خشية الحزب من الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل، إدراكاً منه أنّ إسرائيل أقوى منه عسكرياً بأشواط، وأنّ أي حرب مفتوحة بينهما ستُؤدّي إلى خسائر كبيرة في صفوفه. يعرف الحزب تماماً أن إسرائيل لا تمزح هذه المرة، والحرب معها، في لحظة حصولها على دعم غربي شبه كامل، لا تشبه حرب تموز عام 2006. كما أنّ إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، تُفضّل تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وذلك للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
يبدو أنّ قواعد الاشتباك جنوب لبنان قد تغيّرت حيث تخرقها إسرائيل بشكل شبه يومي ولا يخرقها حزب الله البتة، فيما يُبدي الحزب ضعفاً في الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية بنفس القوة التي كان يمتلكها في الماضي. هذا التغيير يُثير تساؤلات حول مستقبل الحزب وقدرته على حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، كم يُبرز مدى الوهن والتلبك الذي يعتريه.