كرامي تكشف خريطة طريق للنهوض بالتربية والتعليم

karame

رعت وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي لقاءً تربوياً تحت عنوان: "على طريق النهوض في التربية والتعليم: عرض للأزمات واقتراح الحلول"، في مجمع الضنية للرعاية والتنمية (دار الأيتام) في بلدة سير ـ الضنية، بدعوة من المؤسسة العالية للبحث العلمي وجمعية أبناء الضنية الخيرية في سيدني ـ أوستراليا، وأفراد الهيئة التعليمية من مدراء ومدرسين في جميع المراحل، في حضور النائبين السابقين احمد فتفت وسامي فتفت، وفاعليات سياسية وتربوية ودينية وإجتماعية ورؤساء بلديات ومخاتير ومهتمين.

افتتح اللقاء الذي عقد على مدى جلستين قبل الظهر وبعده بالنشيد الوطني، وبكلمة ترحيبية من مقدم اللقاء محمد حندوش، ثم القت كرامي كلمة قالت فيها: "أيها التربويون، الشركاء في بناء الوطن. نلتقي اليوم كشركاء على درب الإصلاح التربوي الطويل، دربٍ قد يكون مُتعبًا، لكنه يبقى الطريق الوحيد لبناء وطننا ولحماية حقّ كل طفل في تعليم جيد وعادل. لقد تعرّض قطاعنا التربوي لأزمات غير مسبوقة: أزمة اقتصادية خانقة، هجرة الكفاءات، ضعف البنى التحتية، فجوة رقمية متفاقمة، وضغط هائل لاستقبال مئات آلاف التلامذة من النازحين السوريين بإمكانات غير كافية".

اضافت: "لم تكن هذه الأزمات لتصيب المدرسة وحدها، بل ضربت الوزارة نفسها، فأضعفت قدرتها على التنظيم، والتوجيه، والتخطيط، والمتابعة. فتراجع مستوى جودة الخدمات، وغابت الدقة والعدالة في تنفيذ القوانين، ووجدت المدارس نفسها في مواجهة يومية لأزمات تفوق طاقتها، فيما غابت الإدارة المركزية والمناطق التربوية عن الكثير من مسؤولياتها الأساسية تجاهها. وإذا أردنا ان نصارح انفسنا، فالمشكلة لم تكن في الأزمة وحدها… بل في طريقة التعامل معها: ردود فعل متسرّعة، خطط قصيرة الأمد، محاولات تعويض بموارد غير مستدامة، ومسارات متباعدة كلٌّ منها يعمل بمعزل عن الآخر. وبدلاً من أن تكون الوزارة مظلّة حماية ودعم، أصبحت أحيانًا نقطة الضعف التي تُرهق المدرسة بدل أن تقوّيها. وهذا فشل إداري ندرك جميعًا أثره على التلامذة والمعلمين وإداراتهم".

وتابعت الوزيرة: "لكنني، وعندما تسلّمت مهامي في وزارة التربية والتعليم العالي، اخترت أن أدعو كل من حولي في الإدارة الى ان نحول معاً هذه الأزمة إلى فرصة عبر  اعادة ترتيب الأولويات نحو إصلاح حقيقي يبدأ من المدرسة الرسمية ويمتدّ ليشمل المنظومة التربوية بكاملها. ومن هنا كان الخيار واضحًا: نحن لا نحتاج شعارات أكثر، ولا خططًا جميلة تُعلَّق على الجدران، بل نحتاج التزاماً مهنياً صادقاً حتى نحقق تحوّلًا عميقًا في ثقافة ادارة العمل التربوي وقيادة تطويره. تحوّلًا يجعل المدرسة مركزاً للإصلاح، لا طرفًا منفّذًا؛ تحوّلًا يجعل المساءلة المهنية أداة بناء وتصويب، لا أداة ترهيب؛ تحوّلًا يعيد للمدير والمعلم مكانتهما الطبيعية كقادة للتغيير في مدارسهم ومجتمعاتهم. تحولاً يعيد البوصلة الى هدفها الحقيقي: ألا وهو المتعلم".

وقالت: في هذا السياق، أستعيد مقاربة TAMAM للتطوير المستند إلى المدرسة، التي عملت على تطويرها كباحثة مع فريق من الباحثات في الجامعة الأميركية في بيروت لأكثر من 18 سنة: فكرة لبنانية الجذور، عربية الامتداد، حصدت الجوائز وأثبتت قدرة المدرسة على التشخيص والتحسين الذاتي. دخلت هذه المقاربة إلى وزارتنا عبر عدّة مشاريع ممولة من جهات دولية ومحلية واقليمية، لكن الأعراف السائدة داخل وزارة التربية لم توفر لها المنظومة الإدارية اللازمة لاحتضانها. في المقابل، رحّبت سلطنة عُمان بتمام ومقاربته، واحتضنته على مدى 14 سنة قامت خلالها بمأسسته ودمجه رسميًا في منظومتها التربوية.

وذكرت "في جولتي الأخيرة إلى عُمان، لاستلهام خبرتهم في نهضتهم التربوية، وجدتهم قد وظفوا هذه الاستراتيجية لتصبح نهجًا وطنيًا للتطوير التربوي في مدارس السلطنة. فكرةٌ لبنانية الروح… نجحت هناك لأن قادة نظامهم التربوي التقطوا الفرصة ومأسسوا المنهجية، فيما فاتتنا الفرص مرارًا منذ العام 2009 وحتى اليوم، لتحويل هذا المشروع وامثاله من المشاريع التي مُولت بسخاء من مبادرات متشرذمة إلى مسار تطويري مستدام يقوده التربويون ويخدم رؤية سياسة تربوية واضحة للدولة".

وتابعت: "ولكي نحقق معاً هذا التحوّل الحقيقي، لا بد من إعادة تحديث وتفعيل دور الإدارة التربوية - لا سيما المناطق التربوية ومديريات الوزارة - بحيث تتحول من جهة تُثقل المدرسة وتقيّد حركتها إلى جهة تدعمها وتمكّنها وتتابع تطورها بمساءلة مهنية تستند إلى معايير جودة واضحة. إنما، وفي ظل هذا السياق الإداري والتنظيمي الصعب وبالرغم من كل التحديات، بقي في لبنان مدارس ضمن مجتمعاتها المحلية رفضت السقوط وتمسّكت بدور الدولة ضامنةً للتعليم. مدارس صمدت لأنها تشبّثت برسالتها وبطلابها".

وقالت: وهنا في الضنية، نجد واحدة من هذه العلامات المضيئة: مدارس حملت المدرسة الرسمية بقلبها وعقلها، وابتكرت مبادرات تربوية خلاّقة، وصمدت عبر تبني شراكة فاعلة ومنتجة بين المدير والمعلم والأهالي والمجتمع المحلي. وعندما نتحدث عن صمود المدارس، لا يمكن إلا أن نتوقف عند دور الاغتراب اللبناني. وهنا أخصّ بالتحية جمعية أبناء الضنية الخيرية في سيدني – أستراليا، التي أثبتت أنّ وجود اللبنانيين في الاغتراب ليس فقط اقتصاديًا، بل امتدادًا تنمويًا وثقافيًا ووطنيًا يحمل همّ المدرسة الرسمية أينما وجدت.

اضافت: "في زيارتي إلى أستراليا في تشرين الثاني الماضي، التقيت بمؤسسات تربوية وجامعية، وبشخصيات رسمية وممثلين عن الجالية، وتباحثنا في سبل دعم المدرسة الرسمية، وتطوير البرامج التعليمية، وتأمين منح للطلاب اللبنانيين، وتعزيز الجودة والحوكمة في القطاع التربوي. وقد كانت الزيارة شهادة جديدة على قوة الجالية اللبنانية في الاغتراب، وعلى التزامها بوطنها الأم واستعدادها الدائم للمساهمة في بناء قطاع تربوي حديث وشفاف".

وتابعت: "لقد عملت الجمعية عبر السنوات على تعزيز الروابط بين أبناء الوطن والمهجر، عن طريق دعم مشاريع تربوية وتنموية في الضنية، إيمانًا منها بأن مستقبل الضنية - ولبنان - يبدأ من التعليم ومن دعم الطلاب في مدارسهم وبيئتهم المحلية. وأنا، باسم وزارة التربية، أتوجّه بالشكر والتقدير إلى جميع أفراد الجالية في استراليا  الذين حملوا همّ الضنية ولبنان أينما حلّوا. وفي هذه المناسبة أيضًا، أعبّر عن امتناني لحفاوة الاستقبال والتكريم الذي لقيته من أهل الضنية في سيدني، تلك الحفاوة التي منحتني طاقة إضافية ومسؤولية أكبر تجاه رسالتي".

وقالت: هنا أصل إلى ما يجب أن نقوم به معاً لإصلاح قطاع التعليم في وطننا العزيز حتى يكون واضحًا للجميع: لم يعد مسموحًا  أن تستمر الوزارة في اية حكومة - في إدارة التعليم بفكرٍ تجزيئي أو  بمنطق ردود الفعل الظرفية. مسؤولية وزارة التربية اليوم هو ان تمسك بالبوصلة: بوصلة الجودة والمسألة لتحقيقها، وبوصلة الشفافية والحوكمة، وبوصلة تمكين التربويين، وبوصلة الشراكات المسؤولة التي ترفع النظام بدل أن تقيده، ولذلك، لن نقبل بعد اليوم بأن تبقى المدرسة رهينة الأزمة، ولا بأن يُترك المدير أو المعلم من دون دعم، ولا أن يبقى التربوي أسير منظومة تعرقل مبادرته التجديدية بدل أن تفتحها.

ودعت الى أن "نعمل معًا على: وضع معايير وطنية للجودة تُلزم الجميع، وترسيخ الحوكمة الرشيدة والإدارة الفعالة التي تمنع الهدر والتشتت، وتمكين التربويين من قيادة التغيير، وضمان أن تكون كل شراكة - داخلية أو خارجية - في خدمة رؤية وطنية لا رهينة لشروط أو اجندات فردية".

وتابعت: "لدينا أولويات وطنية يجب ان تتحقق: فاقد تعليمي لدى طلابنا يجب ان يعوض، وبنية تحتية بحاجة إلى إعادة تحديث، ومناهج يجب ان تحدث، وهيئة تعليمية يجب ان تنصف، وقطاع يجب ان يتحول فيه موظفوه إلى مهنيين محترفين. هذا التزام أخذته وليس شعارا، وتعهّد سياسي لا مجاملة، وقرار وطني لا عودة عنه. أدعوكم إلى مشاركتي ادارة ومعلمين ومجتمع محلي حتى نحوله يداً بيد إلى فعل".

وختمت كرامي: "لبنان يستحق، وأطفال لبنان هم البوصلة التي لن نحيد عنها. أتمنى لكم مؤتمراً مثمراً، واتطلع إلى مخرجاته ليس فقط كتوصيات، بل كالتزامات بشراكات تفعل بعد ان تعد وتحقق أهدافاً وطنية لنهضة هذا الوطن. عشتم وعاش لبنان وعاشت التربيية رافعة لهذا الوطن القوي بأبنائه المبدعين".

وبعد عرض المشاكل التربوية والتعليمية، تحدث في الجلسة الاولى كل من مدير مدرسة قرصيتا الرسمية محمد عيسى، ومدير ثانوية بيت الفقس الرسمية عبد الفتاح هاشم، ومدير معهد بخعون الفني الرسمي الدكتور علي اسماعيل، ورئيس قسم الامتحانات في المنطقة التربوية في الشمال محمد حسون، تلى ذلك حوار مفتوح ادارته الوزير كرامي تضمن مداخلات واسئلة من قبل الحضور.

اما الجلسة الثانية التي عقدت برئاسة المدير العام لوزارة التربية فادي يرق، فتحدث فيها المفتش التربوي المتقاعد الدكتور احمد الصمد الذي القى كلمة تحت عنوان: "التعليم الاساسي: مشاكل وحلول"، واعقبها مناقشة مع الحضور حيث تولى يرق الاجابة عن اسئلة طرحها الحضور.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: