كلهم كانوا يعلمون

375996-23623843 (2)

كتب المهندس روبير كنعان

الأمور مرهونة بأوقاتها ولكل مقام مقال

إن ما قام به القاضي طارق البيطار يذكرني بخطاب شهير للحجاج بن يوسف قال فيه: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها…".
فبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر شهراً على افتعال إيقاف التحقيق في انفجار العصر في مرفأ بيروت وابتداعهم جميع الطرق الملتوية، القانونية منها والتشبيحية والتهديدية، والضغوط التي انهالت على الرجل من كل حدبٍ وصوب، والظلم الكبير اللاحق، ليس فقط بأهالي الضحايا، بل بكل اللبنانيين من جراء "التمثيلية الهزلية الوقحة" التي يشاهدونها كل يوم على الشاشات، والصلافة والهرطقة التي دفعت ببعضهم إلى تهديد هذا القاضي الشريف ودفعت بالبعض الآخر، حتى من أهل البيت القضائي، إلى محاولة "القوطبة" عليه بتعيين قاض رديف يخلق إزدواجية ويميّع التحقيق،
وبعد كل الذي جرى ويجري من "سلبطة" على القضاة والقضاء عموماً، انتفض القاضي البيطار وضرب ضربته المحكَمة في الوقت المناسب، مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية واستقالة الحكومة، في الوقت الذي بات فيه المجلس النيابي بحال انعقاد دائم لإنجاز مهمة واحدة وحيدة هي انتخاب رئيس للجمهورية، وفي خضم انقسام مجلس القضاء الأعلى على ذاته وهو غير قادر على الاتفاق.
في ظل هذا الوضع الضبابي، ضرب البيطار "ضربة معلم" بإصداره مجموعة من الاستنابات القضائية طالت رؤوساً كبيرة كانت كلها تعلم وكان بعضها يشارك في التغطية والبعض الآخر متواطئ الى حد المشاركة بالقول وبالفعل.
ومن غير المستغرب أن يكون الوفد القضائي الفرنسي، الذي التقى البيطار أكثر من مرة قد شجّعه على متابعة تحقيقاته والمضي قدماً في استناباته، وصولاً إلى وضع قرار اتهامي يدين فيه كل الفاعلين والمشاركين والمحرّضين بغضّ النظر عن إمكانية المضي بالمحكمة والوصول الى إصدار الأحكام.
لا شك أن هذا القاضي "البطل" قد وضع رأسه في "فم الأسد" معرّضاً حياته للخطر، خاصة وأنه تلقّى تهديدات سرية وعلنية عدة، ليس أقلها الرسالة الواضحة التي سبق أن أرسلها له وفيق صفا من داخل قصر العدل.
إن أنظار اللبنانيين مشدودة اليوم الى هذا القاضي الشجاع الذي يذكرنا بالقاضيَين الإيطاليين أنطونيو دي بييترو محارب الفساد وجيوفإني فالكوني مفكك المافيا الصقلية، على أمل أن يستطيع الوقوف في وجه الهجمة الشرسة التي تحضّر له من قبل المنظومة الفاسدة عينها التي دمرت لبنان بشراً وحجراً ومؤسسات.
واللبنانيون الأحرار والثوار على مختلف انتماءاتهم مدعوون لتقديم كل الدعم للبيطار الذي بشجاعته يمثّل لبنان الحر القائم من بين الأنقاض والمنتصر على ذاته.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: