بقلم المهندس عبدو عارف سكرية
لم يكن عبثاً إطلاق تسمية "بيت المهندس" على مقر نقابة المهندسين في بيروت، فالنقابة لا بد ان تكون كالبيت لمنتسبيها بكل ما يحمله معنى البيت من قيم، وأهمها وحدة الهدف والمصير والرعاية والاحترام المتبادل. ونقيبها هو المختار لادارة شؤونها ومواجهة تحدياتها كما الحفاظ على قيمها، برعايته الأبوية للجميع دون تمييز أو محسوبيات. فالكل عنده سواسية، حريصاً على الاستماع لمطالبهم، متواضعاً لارائهم، ويشاركهم اياها، هو معهم كالأب الصالح والاخ الاكبر.
وكما البيت لابنائه كذلك النقابة يجب ان تكون منحازة للمهندسين، مستقلة عن انتماءاتهم مهما اختلفت، فالكل تحت مظلة النقابة وسماء لبنان.
ان الواقع الأليم والتحديات التي يمر بها الوطن، أشغل النقابات عن ممارسة دورها الطبيعي، المهني النقابي من جهة، والوطني التنموي من جهة ثانية، فبات العديد منها ملحقاً بالمحسوبية والفئوية، مدافعاً عنها، ضارباً بسيفها، مما جعل أوضاع المنتسبين تتدهور، فضاعت الحقوق، وانحسر الازدهار إلى حد التوقف، وتفاقمت التحديات والأزمات على النحو المعروف والجلي للجميع في لبنان.
في 17 تشرين الأول 2019، دوت صرخة المنتفضين وجعا وغضباً في وجه الفساد الناخر بجسم الوطن، وتأمل اللبنانيون، ومنهم المنتسبون للنقابات، بأن شمس الحقوق ستشرق في سماء لبنان، لكن ظروفاً كثيرة حالت دون تحقيق هذه الآمال، لأسباب شتى، منها شراسة الفاسدين لوأد هذا الأمل، ومنها جائحة كورونا، ومنها أداء ونهج بعض من حمل لواء المعارضة لكنه استنسخ نهج الفساد في الاحتكار والإلغاء والتقسيم. فبدل أن يقدم انموذجاً تقويميا تقدميا مستداما على الصعيد الوطني العام، ويعمل على استعادة النقابات لدورها المهني النقابي الوطني الجامع، ذهب في اتجاه استخدام النقابات كمنصات سياسية في الصراع مع الطبقة الحاكمة، رافعاً شعارات وأهداف بعيدة كل البعد عن دور بعض هذه النقابات وقدرتها على التنفيذ، ومنها نقابة المهندسين.
قد يصح لنقابة كنقابة المحامين ارتداء زي العمل السياسي، بل يجب أن تقوم بهذا الدور، لارتباطها بتشريع القوانين والقضاء والنضال في سبيل استقلالية هذه السلطة، لكن أي دور سياسي يمكن أن تلعبه نقابة كنقابة المهندسين؟ هل مناقشة قانون الانتخابات النيابية مكانه نقابة المهندسين مثلا؟ هنا يجب التمييز فوراً بين الدور السياسي وبين الدور الوطني، بمثل ما يجب التأكيد على احترام حرية الفكر والمعتقد والانتساب للأحزاب لأي مواطن لبناني، وفي المقدمة المهندس.. لكن ثوب هذا الانتماء السياسي يجب أن نخلعه على ابواب نقابة المهندسين ونرتدي ثوب الانتماء المهني النقابي الوطني الجامع.
إن استعادة دور نقابة المهندسين الجامع وتحريرها من الفئوية والتسلط والاحتكار والإلغاء، والعمل على تطويرها وتحديثها وعصرنتها وحماية حقوق أعضائها، هو واجب كل المهندسين، وأمانة عند من يرشح نفسه لتمثيل المهندسين، ويتضاعف أكثر وأكثر عند المرشح لمركز النقيب.
إن استعادة هذا الدور يحتاج الى من يحمي ولا يبدد، يحتاج الى من يجمع ولا يفرّق، يحتاج الى برنامج عمل نوعي ينهض بالنقابة ويضعها في مقدم النقابات الحديثة، ولا يحتاج الى شعارات كبيرة فضفاضة لا تستطيع حملها النقابة ولا تحمّلها.
لكل ما سبق وغيره الكثير مما لا تسعه هذه الكلمات، كان الهدف الأساس من الترشح لمركز نقيب المهندسين، وكان شعار حملتنا "النقابة بيتنا".. علّنا نعيد بناء هذا البيت يداً بيد ونستعيد روحه ودوره ومكانته.
تبقى كلمة: نقابة المهندسين تقف اليوم على مفترق طرق عامودي، إمّا خط الصعود والنهوض، وإما خط التراجع والانهيار، وكلنا ثقة أن المهندسين اللبنانيين، وبخاصة الشباب منهم، وما يملكونه من طاقات زاخرة وكفاءات، لن يقبلوا الا بنقابة تليق بهم وبكرامتهم وحقوقهم.. إنهم الأمل في زمن المحن، إنهم أدوات التغيير نحو الأفضل.. وسنبقى نرفع راية الأمل في مواجهة اليأس وحملات التيئييس.. فلا يأس مع الإيمان، ولا إيمان بلا عمل نافع، ولا عمل نافعاً بلا رؤية عصرية تستفيد من دروس الماضي لتبني أسس الغد الآتي.
*مرشح مهني مستقل لمركز نقيب المهندسين في بيروت