كتب طارق أبو زينب: يواجه لبنان تحدياً كبيراً في إعادة إعمار المناطق المتضرّرة من جرّاء الحرب، ولا سيّما في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. وتُقدّر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العدوان، والتي طاولت القطاعات الحيوية، بما يتراوح ما بين 15 و20 مليار دولار، وفقاً للتقديرات الأولية التي أعلن عنها وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام.
على مدار العقود الماضية، أدّت المملكة العربية السعودية دوراً بارزاً في دعم لبنان، إذ ضخت أكثر من 70 مليار دولار بين عامي 1990 و2015 عبر استثمارات ومساعدات ومنح وهبات وقروض ميسّرة وودائع مصرفية. وبرز هذا الدعم بشكل خاص بعد حرب تموز 2006 إذ قدمت المملكة مساهمات مالية تجاوزت الـ743 مليون دولار لإعادة الإعمار. وشملت هذه المساهمات تمويل إعادة تأهيل 208 قرى وبلدات، وترميم المباني المتضرّرة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
إلى جانب ذلك، شاركت السعودية بفعالية في مؤتمرات باريس (1، 2، 3) لدعم الاقتصاد اللبناني، ما يعكس التزامها المستمرّ بدعم استقرار لبنان وتنميته.
تأثير الميليشيات على الدعم السعودي
على الرغم من هذا الدعم السخيّ، برزت تحديات كبيرة أثّرت في العلاقات بين البلدين، كان أبرزها تنامي دور حزب اللّه السلبي. فقد انخرط “الحزب” بشكل علني في حروب بالوكالة ضد السعودية، وفقاً لتصريحات قياداته التي تباهت بتدريب الحوثيين ومساندتهم في استهداف المدن السعودية بالصواريخ. وساهم هذا الوضع في تقويض ثقة الدول المانحة ومن ضمنها المملكة، والتي ترى أنه من دون إصلاحات سياسية وأمنية واقتصادية جادة، يعد إهداراً للموارد.
القرارات الدولية شرط أساسي
وفي سياق الأزمات المتلاحقة، أثار خطاب الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لـ”الحزب” جدلاً واسعاً. فهو دعا إلى إعادة إعمار لبنان بالتعاون مع “الشرفاء والدول الصديقة”. إلّا أن مراقبين سعوديين اعتبروا أن أي إعادة إعمار تتطلب أولاً تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وهو أمر مستحيل في ظل استمرار “الحزب” قوة عسكرية مستقلة خارج إطار الدولة.
وترى مصادر سعودية مطلعة أن “الحديث عن إعادة إعمار لبنان لن يكون واقعياً من دون تحقيق خطوات أساسية تشمل انتخاب رئيس جديد يمثل كل اللبنانيين يعيد هيبة الدولة، ونزع سلاح الميليشيات لتكريس سيادة الدولة واستقرارها، وتطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً، وإجراء إصلاحات اقتصادية ومحاربة الفساد الذي بات ينهش مؤسسات الدولة ويعرقل أي جهود تنموية”. أضف إلى كل ذلك، تعزيز العلاقات مع الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً لإعادة بناء جسور الثقة. ومن دون هذه الخطوات، سيبقى الحديث عن إعادة الإعمار مجرد أمل بعيد المنال وسيظل لبنان عاجزاً عن استعادة الثقة العربية والدولية.
وأردف المصدر أن “بناء لبنان جديد، يتطلب إرادة لبنانية صادقة وقرارات جريئة وتطبيق القرارات الدولية. ومن دون ذلك، ستبقى المساعدات مجرد حلول موقتة لا تلامس جوهر المشكلة. ولا أعتقد أن السعودية أو غيرها تستطيع تحمّل عبء إعادة الإعمار، من دون أن يتمّ تفكيك بنية الحزب العسكرية كما أدرج في اتفاق وقف إطلاق النار بين الحزب والقوات الإسرائيلية. لذا، يحتاج لبنان اليوم إلى قيادة شجاعة تتبنى قرارات جذرية تضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبارات أخرى، ليصبح حديث إعادة الإعمار واقعاً، لا مجرد وعود مؤجلة”.