لا تُمننوا سمير جعجع...

IMG-20220726-WA0005

قد يتفق المرء معه أو يختلف، قد يغالي بعضهم في "شيطنته" أو في "تبجيله"، قد يسرف في هجائه أو مديحه، لكن ثمة ثابتة واحدة تفرض نفسها بعيداً عن أي أحقاد دفينة أو حسابات ضيقة أو أحكام مسبقة وهي أن تجربة سمير فريد جعجع المعتقل فريدة في تاريخ لبنان ونادرة في العالم المعاصر.

حُكِي الكثير عن إعتقال جعجع في ذاك الواحد والعشرين من نيسان ١٩٩٤ وتسخير القضاء للقضاء على كل من كان يقف حجر عثرة في وجه تكريس لبنان محافظة سورية جديدة برعاية عربية وغربية بعدما فشلت محاولات تدجينه وترويضه وتخييره بين "الوزارة والنظارة" ونصحه الابتعاد عن لبنان مع زوجته.

بعضهم رأى أن جعجع ما كان ليدرك ان فترة اعتقاله ستطول فيما البعض الاخر إعتبر أنه كان يدرك انه يسير نحو المصير المجهول المفتوح على كل الاحتمالات. لكن ثمة ثابتة أن سمير جعجع هو السياسي اللبناني الوحيد حتى تاريخه الذي تجرأ على خوض غمار المعتقل ولم يترك جمهوره في أحضان المحتل ويهرول الى المنفى الرغيد أو غارقاً في حمم بركان الانهيار الذي نعيشه و"يعلق" عمله السياسي.

نجح سمير جعجع بالصمود 11 عشر عاماً في زنزانة مدفونة تحت ثالث ارض في وزارة الدفاع. أمضى 4114 يوماً في الانفرادي فيما غيرهم إعتبر ان الحجر في زمن الكورونا جلجلة لا تحتمل.

٢٦ تموز 2005 ليست محطة قواتية أو مسيحية فحسب، بل لبنانية وطنية بإمتياز لأنه شكّل فرصة لإمكان طي صفحة "الغالب والمغلوب" التي من سابع المستحيلات بناء وطن في ظلها. بعضهم سار بالعفو عن قناعة والبعض الآخر عن تقية أو مرغماً، فكان خروج سمير جعجع من المعتقل جراء تقاطع النضال التراكمي القواتي والمنحى التصاعدي للتيار السيادي اللبناني والظروف والمناخات الاقليمية والدولية.

للأسف أضعنا الفرصة لأن في الاساس لا نية لدى بعضهم ببناء دولة وطي صفحة الحرب بل بترسيخ منطق الغالب والمغلوب. الاسوأ اننا نرى بين الحين والآخر من يمنّن سمير جعجع بهذا العفو.

أيحق لمن عاد زعيمه من منفاه الرغيد بصفقة سياسية وعفو خاص أن يمنّن؟!

أيحق لمن عانى من الملاحقات في زمن النظام الامني اللبناني – السوري أن يستشهد بالاحكام القضائية العضومية وأن يمنّن؟!

أيحق لمن سكت عن الحق يوم إعتقل جعجع خوفاً أو نكداً فكان "شيطاناً أخرس" أن يمنّن؟!

أيحق لمن كان "شريكاً مضارباً" في الحرب وإستفاد من العفو العام عن جرائمه عام 1991 أن يمنّن؟!

أيحق لمن إرتكب في زمن السلم جرائم أبشع من الحرب، فاغتال "أشرف الناس" لديه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وإستباح بيروت في غزوة "7 ايار" كما أقدم على غزوة "عين الرمانة" أن يمنّن؟!

أيحق لمن يرفع شعار "كلن يعني كلن"، أكان ممن خضع لـ recycling سياسية متبرئاً من تجربته الماضية أو لمن ترك وطنه عرضةً للاحتلالات وهاجر ليحمي حياته ويحقق ذاته أو لمن خضع لسلطة المحتل بمجرد عدم مواجهتها – ولو عبر الموقف - والتركيز على جني الارباح والمناصب أن يمنّن من تخلى عن مستقبله بعدما كان في سنته السادسة في كلية الطب ومن راقص الموت مراراً ليُجابِه المحتل؟!!

أوقفوا التمنين بعفو أنجزتوه لنفسكم أولاً، عفو حماكم من المحاسبة على دوركم كآداة للمحتل وعلى مشاركتكم في فبركة الملفات ونهب الوطن أو أقله على الرضوخ والخنوع والسكوت.

خرج سمير جعجع من معتقله بسلام ولم يسع للتشفي أو الانتقام، لكن أنتم - من شرنقة أحقادكم ونزواتكم ومصالحكم الضيقة - متى تخرجون؟!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: