لبنان بعد وقف إطلاق النار في غزة: غياب الدولة وحسابات "الحزب"

h

كتب جاد الاخوي في صحيفة "نداء الوطن":

مع انتهاء جولة الحرب في غزة وإعلان وقف إطلاق النار، عاد السؤال الكبير ليُطرح في لبنان: أين يقف البلد اليوم، وأي موقع يحتله في هذه المعادلة الإقليمية؟

الحقيقة الأولى أنّ لبنان الرسمي يكاد يكون غائباً بالكامل. الدولة اكتفت بالبيانات الشكلية، لا سياسة واضحة، لا خطة، ولا حتى قدرة على التأثير في مسار الأحداث. القرار الفعلي ظل محصوراً بيد حزب الله وحده، فيما اللبنانيون يكتفون بدور المتفرّج القلق.

الحقيقة الثانية أنّ "حزب الله" دخل الحرب من باب “المساندة”، ففتح جبهة الجنوب بشكل محدود مدعياً تشتيت إسرائيل، لكنه تجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة. ومع وقف إطلاق النار في غزة، يسعى الحزب إلى تظهير نفسه شريكاً في “الانتصار” حتى لو لم يخض المعركة الكبرى. لكن المأزق باقٍ: إسرائيل تواصل غاراتها وخروقاتها، والحزب أمام معادلة صعبة: إما الرد بما يهدّد التهدئة، أو السكوت بما يضعف صورته كقوة ردع.

في الداخل، ينعقد اليوم مجلس الوزراء ليستمع إلى خطة الجيش لضبط الحدود الجنوبية، وهي الخطة التي أُقرّت قبل شهر ولم تُنفّذ بعد. المفارقة أنّ عرضها يأتي في وقت بات وقف إطلاق النار أمراً واقعاً، ما يطرح سؤالاً عن جدوى التوقيت: هل الدولة تتحرّك متأخرة كالعادة، أم أنّها تحاول إظهار حدّ أدنى من الحضور في معادلة أمنية يسيطر عليها الحزب عملياً؟ في الحالتين، الاجتماع سيعكس حقيقة مرّة: الجيش يملك خطة، لكن قرار التنفيذ السياسي يبقى أسير الانقسام الداخلي وحسابات "حزب الله".

إلى جانب ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن مساعدة عسكرية جديدة للجيش اللبناني بقيمة 230 مليون دولار. هذه الخطوة ليست تقنية فقط، بل سياسية بامتياز. فهي رسالة مزدوجة: من جهة، دعم مباشر للمؤسسة العسكرية لتأكيد أنها ما تزال الطرف الشرعي الوحيد القادر على ضبط الحدود، ومن جهة أخرى، رسالة إلى "حزب الله" وإيران بأن واشنطن لن تسمح بترك الساحة الجنوبية خالية من نفوذ الدولة. توقيت الإعلان ليس بريئاً: فهو يأتي بعد وقف إطلاق النار في غزة، وفي لحظة يحاول فيها المجتمع الدولي تثبيت التهدئة، ما يجعل تقوية الجيش أداة ضغط سياسية ورسالة طمأنة في آن واحد.

أما الداخل اللبناني شعبياً، فيزداد انقساماً. قسم من اللبنانيين يرى أنّ الحزب قام بواجبه "القومي" وشارك في الدفاع عن غزة، وقسم آخر يعتبر أنّه جرّ البلاد من جديد إلى مواجهة لم يقرّرها اللبنانيون، وزاد من عزلة لبنان وعجز دولته. وفي الحالتين، المواطن العادي هو الذي يدفع الثمن، من أمنه المهدّد إلى اقتصاده المنهار.

لا يمكن إغفال البعد الإقليمي. قرار الحزب لا ينفصل عن حسابات إيران التي استفادت من الحرب لتعزيز أوراقها التفاوضية. لذلك، فإن مصير جبهة الجنوب لن يُحسم في بيروت وحدها، بل في طهران أيضاً. المجتمع الدولي بدوره يركّز على تثبيت التهدئة، لكنه يراقب لبنان عن كثب خوفاً من أن تنفجر الساحة مجدداً.

في النهاية لم يمنح وقف إطلاق النار في غزة لبنان استقراراً. بالعكس، وضعه أمام مفترق جديد: دولة غائبة، حزب يوازن بين صورة "المنتصر" وخطر التصعيد، إسرائيل لا تكف عن الخروقات، وجيش يملك خططاً لكن بلا قرار، ومعونات خارجية تكشف حجم الارتهان. وفي كل ذلك، يبقى الشعب اللبناني هو الحلقة الأضعف، والرهينة الدائمة لصراعات الآخرين.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: