في جعبة لبنان ملفات عالقة كثيرة تتراكم كالأوراق الصفراء على شجرة فقدت حيويتها. ملفات ثقيلة تثقل كاهل المواطن وتعيق تقدمه وتحتل صدارة المشهد كلمة مرة: “جمود”. جمود سياسي طال أمده يترجم بعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وتوقف شبه تام لعجلة التنمية والازدهار.
ولكن لماذا يبدو لبنان وكأنه عالق في دوامة هذا الجمود؟ هل هو القدر البائس الذي لزم شعب الأرز منذ الأزل؟ أم ثمة أسباب محددة وفاعلة تعيق تقدمه عن الخروج من هذا المستنقع؟
يُلقي كثيرون باللوم على تدخل جهات خارجية في الشأن اللبناني وعلى اصطدامات إقليمية تنعكس نارها على أرض ضعيفة منهكة. لكن لا يمكننا تجاهل عامل داخلي بارز بات يلعب دوراً رئيساً في المشهد اللبناني المعقد: حزب الله.
انخراط حزب الله في صراع مسدود الأفق مع إسرائيل وتبنيه لأجندة إقليمية لا تضع لبنان بالضرورة في صلب اهتماماته يشكلان عائقاً كبيراً أمام التقدم الداخلي. فالمناوشات المستمرة مع إسرائيل تبعد الاستثمارات وتخيف السياح وتلقي بظلالها الثقيلة على أي محاولة للانطلاق الاقتصادي. كما أن ارتباط حزب الله بأجندة إقليمية تضع أولوية للصراع مع إسرائيل على حساب قضايا لبنان الداخلية يعيق التسويات السياسية الداخلية ويجمّد عجلة الإصلاح.
إذن لا يبدو أن غرق لبنان في مستنقع الجمود ناتج عن قدر محتوم وحسب بل يمثل الانخراط في صراع إقليمي لا طائل منه أحد أهم المسببات. ولن يخرج لبنان من هذا المأزق إلا بعودة التركيز على الداخل وإصلاح علّاته بنفسه ووضع مصلحة المواطن فوق أي اعتبار آخر.
إن خروج لبنان من جموده يتطلب وعياً جماعياً بخطورة الوضع وتضافراً للجهود من أجل التوصل إلى حلول تعيد الاستقرار وتفتح باب التنمية. يتطلب إعلاء صوت العقل والحوار بدلاً من دوي الصواريخ وخطابات العنف.
يتطلب أن يختار لبنان أخيراً السلام الداخلي والخارجي كبوصلة لتوجهه وأن يترك الصراعات الإقليمية تُحل على منابر وساحات أخرى بعيداً عن أرض منهكة تتوق إلى البناء والازدهار.
فلْيكن العام الجديد بداية جديدة للبنان، بداية تضع مصلحة الوطن نصب أعينها وتبعده عن دهاليز الصراعات العقيمة التي لا تجلب إلا الخراب والدمار.