"لبنان ساحة تصفية حسابات إقليمية".. فايننشال تايمز: "الحزب" في قبضة إيران

hzb

مع اغتيال معظم قادته، عاد "حزب الله" مرة أخرى إلى سيطرة إيران المُحكمة. وإلى أن تصبح إيران نفسها طرفاً في تفاهم إقليمي مع إسرائيل، لن يتمكن الحزب من إبرام اتفاق مع الدولة اللبنانية لنزع سلاحه بالكامل.


في أقل من أسبوع، استقبل لبنان مبعوثين أميركيين وإيرانيين يحملون رسائل متناقضة تعكس الصراع القائم على أرضه، ويتّضح من خلال ملابسهم أن البلاد لا تزال ساحة معركة بالوكالة، بحسب ما كتبت مؤلفة كتاب "بلاك ويف"  في  "فايننشال تايمز"  كيم غطاس.

وصل الديبلوماسي الأميركي توم باراك، بوجهه المسمر وابتسامته العريضة وربطة عنقه الوردية، برفقة نائبته مورغان أورتاغوس، التي كانت ترتدي بدلة قصيرة بكمّين قصيرين وشعرها الكستنائي الطويل منسدل على كتفيها. 

وكان شعارهما واحداً منذ أشهر: يجب نزع سلاح "حزب الله". على النقيض من ذلك، بدا علي لاريجاني، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، شاحباً ولحيته طويلة، مرتدياً الزيّ الثوري الإيراني المفضّل: بدلة سوداء وقميص أسود بدون ربطة عنق.

وكانت رسالته صريحة: سلاح "حزب الله" خط أحمر.

هذا المشهد يختصر بعمق موقع لبنان كـ"أرض مواجهة" بين المحورين الإيراني والأميركي.

وتقول غطاس في مقالها: إذا كان ثمة شك في جدّية لاريجاني حيال عدم المساس بسلاح "حزب الله"، فإن تصريحات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، التي لمّحت إلى العنف في حال محاولة نزع السلاح في خطاب يمكن تلخيصه بـ"إما نحتفظ بأسلحتنا أو نحرق البلد".

وتؤكد أن لبنان يقف عند حافة سيناريو كارثي. قد يكون قاسم يحاول المراوغة، أو الضغط من أجل تحقيق أقصى المكاسب، لكن اللبنانيين يفضّلون ألا يكتشفوا ذلك بالطريقة الصعبة. فالوضع محفوف بالمخاطر في ظلّ تجاذب لبنان بين طهران وواشنطن، وبالتالي إسرائيل.

صحيح أن البهجة عمّت في واشنطن وإسرائيل وأماكن أخرى بعد اغتيال إسرائيل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله العام الماضي، وإضعاف إيران خلال الحرب التي دامت 12 يوماً في حزيران، فإن هذه الفرحة كانت سابقة لأوانها، بحسب غطاس التي ذكرت أن الكاتب الأميركي مارك توين كان سيقول إن "التقارير عن انتهاء حزب الله مبالغ فيها إلى حد كبير".

ولفتت غطاس في مقالها إلى أن التنبؤات بأن لبنان سينضمّ قريباً إلى اتفاقيات أبراهام أو أن السعودية ستطبّع علاقاتها مع إسرائيل كشفت عن ضعف كبير في فهم تركيبة الواقع اللبناني والإقليمي. ذلك أن الشاغل الأكبر للرياض اليوم هو عدوانية إسرائيل وتزايد عدد القتلى في غزة. 

ومع ذلك، حدثت تغييرات عميقة في المنطقة: "حزب الله" أُضعف عسكرياً بنسبة كبيرة، وعُزل سياسياً داخل لبنان، وقُطعت عنه خطوط الإمداد بعد سقوط نظام الأسد في سوريا.

وتراجع الإذعان المعتاد الذي يبديه المسؤولون اللبنانيون للمبعوثين الإيرانيين خلال زيارة لاريجاني، وحلّت محله ردود حادة بشأن السيادة.

وفي خطوة تاريخية، صوّت مجلس الوزراء اللبناني في أوائل آب على نزع سلاح الحزب وأمر الجيش بوضع خطة لذلك، كل ذلك بما يتماشى مع عدة قرارات للأمم المتحدة. 

وبالمثل، فإن إيران في موقف دفاعي، وأجواؤها مكشوفة أمام الطائرات الإسرائيلية، وكثير من كبار مسؤوليها اغتيلوا، وأمنها مخترق بعمق، ما زاد من جنون الارتياب داخل النظام. ومع ذلك، لم تظهر أيّ شقوق كبيرة في القيادة، وهو شرط أساسي لانهيار النظام أو لانقلاب داخلي.

ويبقى الهدف النهائي لطهران بقاء النظام، وحتى "حزب الله" الضعيف لا يزال أداة حيوية في ترسانة الجمهورية الإسلامية المتضائلة، في ظل توقعاتها بمواجهة أخرى مع إسرائيل.

وتعيد غطاس تأكيدها أن كل من توقع استسلام "حزب الله"، واعترافه بالكارثة التي جلبها على لبنان، وتسليم أسلحته وتسريح مقاتليه، كان واهماً جداص. فهو ليس الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) الذي يخوض حرب مقاومة محلية وإقليمية ضد محتل. ولن يكون هناك اتفاق "جمعة عظيمة" يمكن التوصّل إليه مقابل تنازلات سياسية فقط، على الرغم من أن "حزب الله" سيطالب بلا شك بثمن كل سلاح يسلّمه.

فـ"حزب الله" يخضع لأمر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ومع اغتيال معظم قادته، عاد مرة أخرى إلى قبضة إيران المُحكمة. وإلى أن تصبح إيران نفسها طرفاً في تفاهم إقليمي مع إسرائيل، لن يتمكن "حزب الله" من إبرام اتفاق مع الدولة اللبنانية لتسليم سلاحه بالكامل.

وبالتالي، "حزب الله" لا يخوض حرباً محلية، بل هو ذراع إقليمية مرتبطة عضوياً بالنظام الإيراني. خضوعه لسلطة المرشد الأعلى في طهران يمنعه من الدخول في أيّ تسوية وطنية خالصة. فقراره يتخطى الحدود اللبنانية. وبناءً على ذلك، فإن أيّ حل جذري مرتبط بتفاهم إيراني – إسرائيلي أوسع.

في غضون ذلك، أكدت غطاس أنه "يمكن القيام بالكثير"، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني يعمل بثبات على مصادرة أسلحة "حزب الله" الثقيلة وتفكيك بنيته التحتية جنوبي نهر الليطاني، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الثاني.

ولفترة من الوقت، بدا أن واشنطن تتوقع من الجيش المضيّ قدماً والتقدم إلى معقل "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت للاستيلاء بالقوة على الأسلحة الصغيرة التي يخشاها اللبنانيون.

الحل الأكثر حكمة يكمن في أن تضغط الدولة اللبنانية مالياً وقانونياً على "حزب الله"، إلى جانب استعادتها لدورها في تقديم الخدمات للمجتمع الشيعي، وهو ما يسمح تدريجاً بانتزاع الشرعية الاجتماعية من يد "حزب الله".

فـ"حزب الله" ازدهر لفترة طويلة من خلال إقناع المجتمع الشيعي بأنه الضامن الوحيد للأمن والعيش وبأنه وحده القادر على توفير احتياجاته وحمايته. وما دامت إسرائيل تواصل ضرب لبنان واحتلال مواقع حدودية، يبقى السلاح، في نظر شريحة من اللبنانيين، "ضرورة وجودية".


إذا أرادت إسرائيل فعلاً إنهاء دور "حزب الله"، فإن القصف المتكرر لن يكون كافياً، بل سيعزز السردية التي يستخدمها الحزب لتبرير سلاحه.

المطلوب، كما تقترح الكاتبة، هو المساعدة في إثبات أن السلاح لم يعد ضرورياً، وأن الدولة اللبنانية قادرة على حماية جميع مواطنيها، بمن فيهم الشيعة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: