كتبت باتريسيا جلاد في صحيفة "نداء الوطن":
إذا صحّ المثل القائل حسب نواياكم ترزقون، فإن نوايانا بانطلاق قطار الاستثمار، لن نُرزق به إلا إذا حُلّت عقدة حصرية السلاح وعاودت المصارف عملها. فالنوايا بالاستثمار في لبنان، لاحت بوادرها من الدول الخليجية والعربية والمغتربين عبر مؤتمر "بيروت 1"، الذي نجح في تقريب المسافات مع المستثمرين المحتملين المتردّدين. وكانت البداية خمس اتفاقيات، 4 منها استثمارات مباشرة لتمويل القروض الصغيرة، واتفاقية استشارية بين وزارة الطاقة ومؤسسة التمويل الدولية. إلى أي مدى تبدو الآفاق الاستثمارية مفتوحة، وما هي القطاعات الأكثر جذبًا لها؟
بيّن إحصاء أجرته Lebanon Works وهي منظمة وطنية لا تبغي الربح ضمن مبادرة قامت بها بالتعاون بين وزارة الاقتصاد والتجارة وشبكة القطاع الخاص اللبناني(LPSN) ، للمستثمرين المحليّين والخليجيين والمغتربين.. المشاركين في مؤتمر بيروت 1 الذي جرى على فترة يومين، أن 144 شركة ترغب في الاستثمار بلبنان بمبلغ إجمالي قيمته 2,38 مليار دولار في 15 قطاعًا.
أبرز القطاعات التي استحوذت على اهتمام المستثمرين فيها حسب المبالغ التي يمكن رصدها هي :
1- قطاع التكنولوجيا والبرمجة بمبلغ 957 مليون دولار (33 شركة)
2- قطاع المصارف والخدمات المالية 622.5 مليون دولار (13 شركة)
3- القطاع العقاري 583 مليون دولار (26 شركة)
4- القطاع الزراعي والأغذية الزراعية 522 مليون دولار (26 شركة)
5- قطاع السيارات والنقل 327 مليون دولار (6 شركات)
تأتي بعدها سائر القطاعات، الرياضة والقطاع الصحي والصيدلة ثم الضيافة والسياحة والصناعة والبيئة والطاقة والثقافة والتعليم والإعلام والاتصالات، وأخيرًا التجارة الإلكترونية.
جسّ نبض الشركات
تلك الأرقام بحسب إحصاء أجرته Lebanon Works وكانت تقوم به مباشرة خلال المؤتمر ليس سوى جسّ نبض الشركات والمستثمرين حول مدى استعدادهم للاستثمار في لبنان، كما أوضح ممثل الشركة لـ "نداء الوطن"، وأي قطاعات تشكّل محطّ اهتمام لهم، والمبلغ الذي يرغبون في استثماره أو قيمة العمل الذي يستثمرون من خلاله في لبنان، وما هي العوامل التي تشجعهم على الاستثمار في البلد. كلها أسئلة أجاب عليها أرباب الشركات في نموذج وزع على رجال الأعمال المشاركين في مؤتمر بيروت 1 والذين يفكّرون أو ينوون الاستثمار في لبنان عندما يصبح المناخ مؤاتيًا.
في قراءة لأهمية رغبة نحو 144 شركة بالاستثمار بقيمة 2,38 مليار دولار قال الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أنيس بو دياب، والذي شارك في المؤتمر لـ "نداء الوطن"، إنه "لمس النوايا بالاستثمار من الحاضرين في المؤتمر في قطاعات مختلفة في الثقافة والبنية التحتية والصحة والاتصالات... "معتبرًا أن "إعلان النوايا هذا لا يترجم أفعالًا على الأرض إلا إذا حصلت جدوى اقتصادية".
عن الاستعداد الذي عبّر عنه المستثمرون، يرى بو دياب أنه "مؤشر إلى أن هناك شركات لبنانية وأجنبية ومغتربين لديهم نية الستثمار في لبنان". وتفاوتت تساؤلات رجال الأعمال حول القوانين المعمول بها ومكافحة الفساد ووضع القطاع المصرفي وإنجاز قانون الفجوة المالية المرتبط بقانون إعادة هيكلة المصارف المرتقب أن يصدر قبل نهاية العام كما أكّد رئيس الحكومة نوّاف سلام في المؤتمر.
جنسيات المتموّلين
حول جنسيات المستثمرين المستعدين لضخ أموال في قطاعات في لبنان، قال بو دياب إنها "تتفاوت بين الدول العربية والخليجية الإماراتية والكويتية والسعودية والعراقية والشركات الكبيرة، منها المتعلقة بالنقل، وقد بدوا على جهوزية لضخ استثمارات في لبنان". فالمرحلة الثانية بدأها لبنان والكلّ ينتظر قانون الفجوة المالية وإصلاح القطاع المصرفي وتوقيع برنامج مع صندوق النقد الكفيل بالشروع في المشاريع الاستثمارية المعلّقة. "فعلًا لمسنا الرغبة الصادقة بالاستثمار في لبنان لكن القرار النهائي وقف على عودة القطاع المصرفي إلى العمل والاتفاق مع صندوق النقد وإنجاز القوانين الإصلاحية والاستقرار الأمني والسياسي".
بالنسبة إلى دور المغتربين اللبنانيين في الاستثمار في بلدهم، قال بو دياب "كان هناك حضور اغترابي وازن ومليء ومتموّلون من مختلف مناطق الاغتراب اللبناني من أفريقيا وأوروبا والخليج وأميركا، لديهم الاستعداد والرغبة في ضخ أموالهم في بلدهم الأم. فالاغتراب يعتبر القطاع الإنتاجي الخامس الأساسي في لبنان بالإضافة إلى الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات".
الحاجات الاستثمارية
بالعودة إلى الأرقام والجداول التي عرضها وزير الاقتصاد عامر بساط أمام الحضور، فقد أظهرت أن الحاجات الاستثمارية للسنوات العشر المقبلة من الناتج المحلي تقدّر بنسبة 29 % ارتفاعًا من 3.6 % في العام 2025 للقطاعين العام والخاص. فخطة الاستثمار التقديرية المعروفة بـاستثمار رأسمالي indicative capital investment للعام 2035 حدّدت وفق خطة وزارة الاقتصاد بنحو 8 مليارات دولار تتوزع كالتالي: الاستثمار المقدر بالشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) يشمل قطاعات الطاقة (3 مليارات دولار)، الأشغال والنقل (1.1 مليار دولار )، النفايات الصلبة (1.68 مليار دولار) أي ما مجموعه 5,8 مليارات دولار و و2 مليار دولار للاستثمار المطلوب للقطاع العام وحده.
تتوزع الاستثمارات المنشودة بين المياه، الاتصالات، الصحة، التعليم، الإصلاح الإداري، التكنولوجيا، الشؤون الاجتماعية والثقافة.
إن الاستثمار الرأسمالي المقدّر للسنوات العشر المقبلة من المرجّح أن تتزامن معه مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي من 31 مليار دولار في 2025 إلى 78.2 مليار دولار في 2035 ، فضلًا عن زيادة الصادرات من 4.3 إلى 30 مليار دولار، وبذلك يتمّ القضاء على الفقر في العام 2030.
مرحلة انتظار أو اقتناص فرصة
تلك الأرقام تركت آثارًا إيجابية لدى المتموّلين، فرسّخوا مكانة لبنان في أجندتهم الاستثمارية مبدئيًا، بانتظار إنجاز الاستحقاقات الإصلاحية وحصر السلاح، إلا إذا استبقوا فترة الانتظار باقتناص فرصة ما قد تتاح أمامهم، كما حصل خلال العامين 2020 و2021 مباشرة بعد انفجار الأزمة المالية وانهيار الليرة حين عمد أصحاب الحسابات الكبيرة إلى الاتجاه نحو القطاع العقاري لاقتناص فرصة الشراء نظرًا إلى سعرها الزهيد من جهة، وبهدف إخراج أموالهم في المصارف، أو مثلًا حين اشترى مستثمرون أو صناديق أجنبية سندات الـ "يوروبوندز" التي هوت أسعارها من 100 % إلى 6 % من قيمتها.