لسنا عشّاق الشهادة…

WhatsApp Image 2022-09-03 at 7.01.23 PM

في زمن خلط المفاهيم وتشويه بعضها أو تحريفها، وعلى وقع تسلل ثقافات الى مجتمعنا لا تشبهه وتهدّد هوية وطننا، لم يسلم مفهوم الشهادة من اللغط والالتباس والموروثات الوثنية وما شابه. نحن لسنا مدمني أباء محطمين وسواد أمهات، ولا أولاد مفجوعين ودموع حبيبات، ولسنا عشاق الشهادة بل نحن عشّاق الحياة وفي سبيل عيشها بكرامة لا نأبه حتى من الممات.

الشهيد شيء والضحية شيء والإنتحاري شيء آخر. شهداؤنا بذلوا كل ما لديهم في سبيل وجودهم وقناعاتهم وصون حريتهم، والموت لم يكن وسيلة يستجدونها أو غاية يرجونها بل كأساً تجرّعوها على درب تحقيق القضية التي يقاومون في سبيلها. فلا مغريات للشهادة عندنا بجنة مضمونة وما لفّ لفيفها، إذ إن المجانية في وهب الحياة شرط ملزِم لصفة الشهادة وإلا يتحوّل هؤلاء الى مرتزقة.

في الأساس، الاستشهاد ليس هدفاً بذاته بل هو “مصير مع وقف التنفيذ” لكل مَن قرر الانخراط في المقاومة عن سابق تصوّر وتصميم ولا أحد يعلم متى يصبح نافذاً. كل مقاوم كان يوماً مشروع شهيد لأنه يدرك أن الموت قد يدق بابه ولن يغض الطرف عنه.

شهداؤنا ليسوا إنتحاريين لأن هؤلاء إعتنقوا ثقافة الموت، كما أنهم ليسوا ضحايا رغم أن قدسية الضحايا لا تقلّ عن قدسية الشهداء، لأن هؤلاء دفعوا حياتهم ثمناً لظرف لم يختاروه. خير مثالٍ عن ذلك، التمييز في إنفجار 4 آب بين شهداء فوج الإطفاء العشرة الذين كانوا يدركون منذ لحظة انتسابهم الى الفوج أنهم قد يستشهدون خلال قيامهم بواجبهم وبين الضحايا الذين لامس عددهم الـ220 والذين ماتوا من جراء موت الضمير عند مَن أستقدم نيترات الأمونيوم الى بيروت وخزّنها، وعند مَن علم بها وغضّ الطرف خوفاً أو مقابل إستفادة، وعند من أهمل واجباته ولم يدرك بها أو بخطورتها.

بعضهم يسأل “شو طَلِعلهم؟” وقد فاتهم أنهم في الاساس لم يستشهدوا “حتى يطلعلهم” بل دفاعاً عن وجودهم وحرية معتقدهم، لا بل ثمة شهداء سقطوا ليس في سبيل الإنتصار في معركة بل تأخير هزيمة شبه محتّمة أو كسب وقت لإخلاء مدنيين. البعض الآخر يقول “أين أصبح الوجود والحرية في كندا وأميركا وأستراليا؟!” وقد فاته أنه لولا إستشهادهم لما بقيت مقومات وجود وإن كان مخاض المعاناة مستدام. إنه ليس قدر بل خيار لمن إرتضى الرسوخ في هذه الارض والبقاء في هذا الشرق.

تضحيات شهدائنا لم تزهر بعد، لكن ذاك اليوم آت لا محال طالماً هناك من يرفضون أن يتنكّروا لها ويتصدون لمدنّسيها، وطالما هناك جيل لم يعرفهم يوماً ولكنه ما زال يقف أمام قبر شهيد وفي حضرة عظمة إستشهاده. وحدها الأوطان والجماعات التي لا تغامر أو تقامر بدم شهدائها بل تقدسه وتصونه تستحق الحياة وهذه حتمية تاريخية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: