بقلم ماريو ملكون
هل فعلاً تسعى "القوات اللبنانية" إلى وراثة تيار المستقبل شعبياً؟ سؤال قد يبدو للوهلة الأولى طبيعياً ويمكن تعميمه على كافة مَن يخوض غمار الشأن العام، بفعل تعليق قيادة التيار الأرزق لعملها في الشأن السياسي، لكن سرعان ما يُمكن إلباسه رداء النوايا المبيّتة، خاصّةً أنّه وبعيداً عن مسارعة بعض أصوات "المستقبل" على رمي "القوات" بكلّ موبقات الكرة الأرضية بشكل هزليّ لا يمتّ للمنطق بصلة، كان لافتاً أن يتمّ التسويق لهذا "التساؤل-النظرية" بأقلام الممانعين وأبواق "المقاومة" دون استثناء وكأنّ إرادة عُليا وضعت هدفاً بفصل "القوات" ومشروعها السيادي عن التأييد الشعبي منعاً لأيّ ترجمة وطنيّة تُطيح بأرباب اللاشرعية.
بعيداً عن النوايا التي باتت مكشوفة والتي لم تدم لأكثر من ٤٨ ساعة، فاتَ جهابذة حزب الله وأتباعه أن يقرأوا في تاريخ لبنان الحديث وأن يُدركوا أنّ تضليل الرأي العام اللبناني ليس بهذه السهولة، خاصةً أنّ الذاكرة الوطنية تنضح بالأمس القريب بتخلّي "القوّات" عن لحظة تاريخية ما كانت لتتكرّر بعد اتفاق معراب الذي ختم الخلاف المسيحي المسيحي.لو أرادت معراب أن ترث حالةً شعبية ما، كانت ستلجأ إلى وراثة الحالة المسيحية العارمة التي سارت خلف الرئيس ميشال عون، وقد كانت فرصتها سانحة جداً بعد المصالحة المسيحية في معراب، لكنّها أبت أن تبيع المبادىء السيادية التي اشتطرتها على الطرف الآخر لقاء جني تأييد مسيحي أوسع."القوّات" اختارت الدولة بكامل هويّتها، دولة الشرعية والنزاهة، فوقفت قبل صياح الديك لتنفض يدها من رعاية عهدٍ انقلب على الاتفاق العلني قبل السري، في وقت اختار غيرها الغرق بشراكة السلطة دون حدود ولا أدنى مبادىء.
لو أرادت "القوات" وراثة التأييد المسيحي العارم، لما واجهت العونيين وإدارتهم السيئة للبلاد، ولما وقفت بوجه الحلفاء قبل الخصوم في معترك الدفاع عن المؤسسات.لو أراد سمير جعجع وراثة كرسي الرئاسة، لكان بقي جانب عون رغم كلّ شيء، جانب المنظومة الحاكمة التي شارك بها الجميع، الجميع دون استثناء، لكنّه اختار الحفاظ على إرث النزاهة والسيادة والنضالات، ضارباً بعرض الحائط كلّ الاغراءات وبالجملة كلّ التهويلات.
لم يكن هدف "القوات" يوماً وراثة حالات شعبيّة أو أعداد بشرية، لأنّ رجالاتها دائماً ما سعوا إلى استنباط وجودهم من تعبهم ونضالهم ومسيرتهم.نعم، تسعى "القوات" إلى أن تتّحد مع كلّ المؤمنين بالقضية اللبنانية، المسلمين كما المسيحيين، سنة وشيعة ودروز وعلويين والجميع دون استثناء، كلّ مَن يرفض الاستسلام أو المغادرة أو رفع الراية البيضاء أو تسليم الرقاب للمحتلّ أو الرّكون على قارعة الانتظار؛ تسعى للتكاتف السيادي بغية الوصول لا إلى سلطة ومناصب بل إلى دولة وجمهورية؛ إرث "القوات" المقاوم والنّضالي لا يُبادَل بثمن، وإن كان لا بُدّ من وراثة فهي تُورِّث ولا تُورَّث.