لو تعرفون كم يكره الصهاينة سمير جعجع!

geagea

لا يحتاج رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى “فحص دم” في وطنيته، وهذا المقال ليس للدفاع عنه، فهو أكثر من قدّم التضحيات من أجل لبنان الدولة والسيادة والمؤسسات والقانون، لكن ما يثير استفزاز شريحة كبيرة من اللبنانيين هو قيام كل من يؤمن بمشروع خارجي لا مصلحة للبنان وشعبه فيه، إلى تخوين جعجع وما يمثّله لبنانياً ومسيحياً، من خلال إتهامه بالصهيونية والكلام بالمنطق الاسرائيلي، وكان آخرهم المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي يبدو أن كلام جعجع الحريص على مصلحة لبنان أزعجه فإتهمه بأنه ناطق بإسم مجلس الحرب الصهيوني!
لا شك في أن ما يحصل من مواجهات بين “حزب الله” واسرائيل على الحدود الجنوبية اللبنانية خطير جداً، ورغم إجماع الشعب اللبناني على رفض الحرب لأن لبنان لا يحتمل ذلك اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً، لا يزال “الحزب” يتمادى في المقامرة بلبنان عبر رفع مستوى التصعيد يوماً بعد يوم، مقدّماً لاسرائيل خدمة في جرّ لبنان إلى حرب مدمّرة لا ناقة له فيها ولا جمل.
هذا ما يقوله سمير جعجع وأزعج المفتي قبلان، ومن الواضح أن المفتي يتبع “الحزب” عـ”العمياني”، بل يؤمن بمحور الممانعة الإيراني، رغم أن المنتظر منه أن يكون رجل دين حكيم ومتبصّر، يقف على مساحة حيادية مشتركة مع كل أبناء وطنه، واحترام شركائه في الوطن الذين يختلف معهم بالرؤيا السياسية، لا اعتماد لغة التخوين الرائجة لدى جمهور الممانعة.
أصبحت “الصهيونية” لدى بيئة “حزب الله” وقيادييه كأنها شتيمة، وهي فعلاً لفظة عنصرية تتضمن معان غير حميدة ونشأت منها حركة سياسية ظهرت أواخر القرن التاسع عشر الميلادي داخل التجمعات اليهودية في وسط وشرق أوروبا، وقامت على فكرة إيجاد كيانٍ سياسي (دولة) تنهي حالة التشتت التي يعيشها اليهود منذ إخضاعهم من قبل المملكة الآشورية، وفق المعتقدات التلمودية، وتسمح بعودة الشعب اليهودي إلى الوطن أو الأرض الموعودة وهي اسرائيل أو فلسطين. وقد ارتبطت نشأة هذه الحركة بالكاتب والصحافي السويسري تيودوي هرتزل.
فالحركة الصهيونية ومعها إسرائيل تصنف في كثير من أرجاء العالم، حركة ودولة عنصرية ليس لمواقفها من العرب فقط وإنما لتمييزها بين اليهود أنفسهم، ومن أمثلة ذلك تهميش يهود الفلاشا الأحباش ويهود المشرق والمغرب الاسلامي. وهكذا أصبحت الصهيونية مرادفة للتطرف والعنف، وهما نزعتان إنسانيّتان عامّتان، تحتاجان لأشكال وألوان لتظهرا بصورة مبررة متكئة على ارضيّة صلبة لا تقبل ولا تتقبل النقاش ولا الجدل.
لكن ما علاقة الصهيونية بجعجع؟ في الواقع لا شيء، لأن رئيس “القوات” ليس يهودياً ولا يؤيّد طروحات الصهيونية ولا علاقة له بها، وكل أدبياته السياسية تتمحور حول لبنان ومصلحته العليا، ساعياً بكل طاقته لتحييده عن الحروب التي تهدد استقراره والحياة الكريمة للإنسان. فعلى ماذا يعتمد قبلان وغيره من قادة “حزب الله” والممانعة في اتهامهم لجعجع بالصهيونية؟ الجواب: هؤلاء ينطلقون من خلفية تاريخ الحرب اللبنانية التي يتّهمون فيها القوى المسيحية التي وجدت نفسها مضطرة إلى الاستعانة باسرائيل للتسلّح في مرحلة معيّنة، للدفاع عن وجود المسيحيين في لبنان ضد الاحتلالين الفلسطيني والسوري. كان مؤسس “القوات” الشهيد بشير الجميّل البادئ في هذه العلاقة آنذاك، إلا أن بعد استشهاده حصل ما حصل من تغييرات في “القوات” وخاضت حرب الجبل التي تحمّل فيها سمير جعجع مسؤولية قيادة المعركة وقدّم فيها الاسرائيليون الدعم لخصوم “القوات” أكثر، ولم تكن علاقتهم بجعجع جيدة، وسرعان ما أقفل الأخير مكاتبهم في “الشرقية” عندما استلم قيادة “القوات”، فهو ورث هذه العلاقة ولم يؤسّس لها، مع ذلك أوقف التعاون معهم وأقام علاقات مع الدول العربية، باكورتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم العراق ومصر والجزائر، وقد تلقت “القوات” السلاح والذخائر من العراق.
ليس هذا الشرح المسهب لتنقية صفحة جعجع، ونكرر بأنه ليس مضطراً إلى تبرير أي شيء، لكن كلمة حق تُقال أن رئيس “القوات” لا يحبّذ أي مشاريع سياسية وعقائدية لا تحترم التعددية، فهو لا يستسيغ الصهيونية، إنما يحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفلسفته السياسية تقوم على تأييد القضايا المحقة، لذلك لم يجد صعوبة في دعم القضية الفلسطينية من منطلقات السلطة الفلسطينية القومية والرؤية العربية المعتدلة وخصوصاً ما عبّرت عنه القمة العربية الأخيرة في الرياض، من هنا تأتي مطالبته بحل الدولتين، وهو حل منطقي وواقعي لنزاع عمره 75 عاماً، ولا يؤمن بالعنف والقتل والقوة والمشاريع الدونكيشوتية المتطرفة، كالتي يطرحها رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو الذي يرفض حل الدولتين ويستخدم القوة المفرطة، وفي المقابل واحتراماً لوحدة المعايير لا يؤمن بطروحات ايران وحلفائها الممانعين وبينهم “حزب الله” وأهدافهم برمي اسرائيل بالبحر انطلاقاً من عدم واقعية هذا الطرح.
أما المفتي قبلان وقيادات “حزب الله” فلا تعجبهم طروحات جعجع، ويبادرون إلى تخوين كل من لا يوافقهم استراتيجيتهم الممانعة، ومنطق الحروب والعنف واستخدام القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف إيران التوسعية في المنطقة، وتوريط لبنان بحروب لا تُحمد عقباها. وكلمة تُقال أن ما يروّج له المفتي قبلان ومشروع “حزب الله” لا يختلف بتاتاً عن “الصهيونية” بل يكاد يكون المشروع العقائدي لنظام ايران نسخة طبق الأصل عن الصهيونية عبر الالغاء الآخر و”التشييع” وهيمنة فصيل مسلّح يستخدم العنف على المكوّنات اللبنانية الخرى لتطويعها واخضاعها لمشروعه والهيمنة على قرار الدولة.
يشعر “الحزب” وبيئته اليوم بحالة إرباك لأن كل ما وعد به الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بتحرير فلسطين ورمي اسرائيل بالبحر والصلاة في القدس، بات مجرد شعارات وأوهام أبطلتها الحسابات الإيرانية البرغماتية، والمستغرب أن المفتي قبلان اختار الهروب إلى الأمام عبر مهاجمة جعجع بأنه لا يقدّر “الحزب” ومقاومته التي اعتبرها حامية الوطن، علماً أن “الحزب” بادر منذ بداية الحرب إلى الاحتكاك باسرائيل نصرة لـ”حماس” وتخفيفاً عنها في غزة، فلم يفد غزة ولم يفد لبنان، بل ضرب استقراره وسياحته واقتصاده ودفن القرار 1701!
لا يحق لجعجع معارضة استراتيجية “الحزب” بالنسبة إلى قبلان، وبالتالي الاتهامات جاهزة ومعلّبة، لكن ربما نسي المفتي قبلان أن أكثرية الشعب اللبناني رافض للحرب ومنطق القوة والعنف الذي يتّبعه “حزب الله”، وأهم ما نساه أن جعجع الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين ويعبّر عن تطلعاتهم بدليل أنه رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية في المجلس النيابي، والشريك بالوطن إذا كان قبلان أو حزبه المدلل لا يجوز أن يتفرّد بقرار الحرب والسلم من أجل مصالح دولة أخرى، وإذا كان للخيانة هوية، فلا أحد يخون لبنان ويغامر به كما يفعل “الحزب” ومروّجيه.
ولا نخفي سراً أن الصهيونية تكره جعجع، لأنه نقيضها في مفهومه للوجود والأوطان والحضارات والتعددية والحرية والحوار والمساواة والعدل والسلام والانفتاح على الآخر المؤمن بهذه المعاني والقيم، ويبدو ان هناك مشروعاً آخر مماثلاً يكره جعجع أيضاً هو المشروع الصفوي الإيراني، بظلمه وطغيانه وباطله وغطرسته الهادف إلى قتل العرب وتفتيتهم وإذلالهم واستعبادهم.
فليفخر جعجع أن أعداء الإنسانية والحضارة والحداثة والقيم يكرهونه،فحوّلوه ربما عن غير قصد، إلى رمز لإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونشر العدل، بل بطل “الحالة اللبنانية” الصافية التي لا يهمّها سوى مصلحة لبنان وشعبه

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: