لطالما لم تجد الكيمياء السياسية مكاناً لها بين التيار الوطني الحر ومختلف الأحزاب المسيحية إلا ضمن توقيت زمني محدّد، إذ يأتي "التيار" في طليعة خصوم هؤلاء، بحيث بات وحيداً بعيداً عن أي حليف مسيحي، خصوصاً الركن الأبرز على الساحة أي القوات اللبنانية، أما تيار المردة الذي كان في فترة ما، وقبل وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، في وضع جيد مع رئيس "التيار" جبران باسيل، لم يعد كذلك منذ لحظة ترّشح النائب السابق سليمان فرنجية الى الرئاسة، ما جعل التيار البرتقالي في مسار آخر، لتصبح العلاقة في أسوأ حالاتها، كذلك الأمر مع القوات اللبنانية، إذ كانت الأجواء السياسية على خير ما يرام بعد توقيع تفاهم معراب الذي أنتج دعماً قواتياً كبيراً لوصول عون الى الرئاسة، لكن تبخّر كل شيء لاحقاً، وما لبث الدرب السياسي بينهما أن سلك خط الإختلافات في شتى الأمور، ليصبح الخط البرتقالي في عزلة، فضلاً عن علاقة متوترة مع الأحزاب المسيحية الأخرى، وحتى مع بعض العونيين داخل التيار وخارجه، خصوصاً الحرس القديم، ما دعا بسياسي عتيق الى التعليق ضاحكاً بأن "جبران لا يثبت على علاقة، لأن الطلعات والنزلات السياسية تسود علاقاته دائماً مع الحلفاء والخصوم معاً ".
هذا وتنطبق أيضاً علاقة "التيار" المتوترة على أحزاب حليفة، إذ لا ارتياح مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بل معاداة في العمق، أما الحليف الأكبر حزب الله فيواصل التعبير عن إستيائه من باسيل، وإن كان لا يظهر ذلك في العلن.
في غضون ذلك، برز التراجع الشعبي ل"التيار" بقوة منذ ثورة 17 تشرين، حين استقال العديد ممَن كانوا يُعتبرون من صقور الوطني الحر، الذين جاهروا بأنّ سياسته " لم تعد تناسبهم"، لأنهم صدّقوا كل الوعود التي لم يتحقق منها شيء، فضلاً عن خروج عدد من النواب من تكتل "لبنان القوي" من بينهم صهر الرئيس عون النائب شامل روكز، ما جعل الخسائر تتوالى من دون أي رادع.
فإلى متى سيتناسى التيار الوطني الحر شعاراته القديمة التي تتماشى مع الاحزاب المسيحية؟ والى متى سيتقبل تلك الخسائر؟، مع الأمل بأن يعود الى الدروب التي كان يسلكها، أي يرجع الى قواعده وشعاراته التي لطالما تميّز بها، علّها تحقق التوافق مع الأحزاب المسيحية، لأن في الجمع قوة لا يستهان بها، وهذا ما ينتظره المسيحيون اليوم…
