كتب جورج حايك
لم يعد سراً أن إسرائيل إتخذت قراراً بإجتياح غزة برّياً، وبقيت مسألة التوقيت تفصيل صغير، ربما يكون بعد ساعات أو أيام قليلة، وهذا ما يُجمع عليه الخبراء العسكريون، نتيجة الحشود الاسرائيلية العسكرية التي تحاصر القطاع حيث تتحصّن حركة “حماس” التي ارتكبت في 7 تشرين الأول الجاري ما يُشبه “11 أيلول إسرائيلي” أدى إلى مقتل 1200 مواطن، وأسر ما لا يقل عن 150.
لا شك في أن إسرائيل لن تقبل بأقل من معركة حاسمة لإنهاء حالة “حماس” في غزة، فحشدت 100 ألف جندي، مع قصف جوّي جعلَ من بعض المساحات في غزة أشبه بملاعب كرة قدم، وهذا ما يعني عسكرياً “الأرض المحروقة”، ويمهّد لغزو بري ربما لن ينتهي لأسابيع أو لأشهر نظراً لصعوبة الانتشار السكني الكثيف في غزة والمفاجآت التي حضّرتها “حماس” لإسرائيل، إضافة إلى وجود مدنيين في كل المباني المكتظة.
تشير معطيات الخبراء العسكريين الى أن الضربات الجوية التي تشنّها إسرائيل على غزة، هدفها القضاء على قيادة “حماس” والأنفاق ومخابئ الأسلحة وقاذفات الصواريخ لتقليل مخاطر الهجمات الصاروخية ضد المدنيين الإسرائيليين والمخاطر التي قد يتعرض لها أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي أثناء العمليات البرّية. وسيستمر هذا القصف حتى تعتقد إسرائيل أنها قلّلت من هذه المخاطر إلى أقصى حد ممكن قبل بدء العمليات البرّية.
لكن ما يُقلق إسرائيل هو وجود المدنيين في غزة، لأن هذه الورقة قد تستغلها “حماس” التي تتحصّن خلف المدنيين للتأثير على الرأي العام الدولي بأن إسرائيل تقوم بمجازر وعملية إبادة ضد الفلسطينيين، مما قد يؤثر على استمرارية عمليتها العسكرية، رغم أن سلاح الجو الإسرائيلي حذّر المدنيين من ضرورة مغادرة غزة، وقبل أي عملية قصف في مناطق محدّدة يُرسل رسائل تحذيرية عبر الواتساب ورسائل نصّية لإخبار المدنيين بالمكان الذي يجب أن يذهبوا إليه لتجنّب العنف.
ومع ذلك، فإن غزة مكتظة بالسكان، ومن الصعب أثناء القتال في المناطق الحَضَرية تجنّب وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وليس هناك أيضاً ما يضمن أن المدنيين سوف يستجيبون للتحذير، ويرجع ذلك جزئياً إلى قلة الأماكن التي يمكن الذهاب إليها. كل ذلك، ممكن أن يزيد الضغوط الدولية لوقف القتال.
ويؤكد الخبراء أنه بمجرد الانتهاء من عمليات تدمير البنية التحتية، ستكون إسرائيل مستعدة لشن هجوم برّي كبير داخل غزة. ومن المتوقّع أن يُشارك 100 ألف جندي إسرائيلي في عملية الغزو، وقد فرضت البحرية الإسرائيلية حصاراً بحرياً كاملاً لضمان عدم إعادة تزويد حماس بالأسلحة والإمدادات عن طريق البحر.
بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الإسرائيلية بقطع المياه والكهرباء عن المنطقة التي يسكنها 2.1 مليون شخص.
ويلفت خبير عسكري أميركي إلى أن السبيل الوحيد أمام إسرائيل لتحقيق هدفها المتمثّل في القضاء على قدرات “حماس” العسكرية يتلخّص في حرب المدن من منزل إلى منزل، ومن مبنى إلى مبنى. ومن المرجح أن تشمل قوات العمليات التقليدية والخاصة التحرّك بشكل منهجي عبر المنطقة للقضاء على تهديد “حماس” وتدمير قدراتها العسكرية، من معدات الاتصالات إلى مخزونات الأسلحة.
وقد تعتمد القوات الإسرائيلية على الوحدات الخاصة في ما يسمّى “الإغارة” أي مجموعات من الجنود مدرّبة لتقاوم طويلاً ضمن مساحة معينة تطهّرها من المسلحين ثم تنتقل إلى مساحة أخرى، وهكذا دواليك.
سيستغرق ذلك عدة أشهر لأسباب عدة أهمها: أولاً حجم قطاع غزة الذي يتجاوز مساحة العاصمة الأميركية واشنطن، ثانياً عدد المسلحين المستعدين للقتال، ثالثاً حجم مخابئ الأسلحة، رابعاً حجم السكان المدنيين.
لن يكون الأمر سهلاً، لكن القدرة العسكرية المتفوقة لإسرائيل تضعها في وضع جيد لتنفيذ هذه الحملة الخطيرة. والجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي تدرّب كثيراً على هذا السيناريو، حتى أنه قام ببناء قاعدة تدريب في صحرائه الجنوبية بهدف محاكاة المشهد الحضري في غزة.
أما التحدي الأكبر، وفق الخبراء العسكريين، فسيكون تحرير الرهائن الذين يتجاوز عددهم الـ150 شخصاً، وهذا يعقّد العمليات البرّية بشكل كبير. وهناك عدد من الرعايا الأجانب بين الرهائن، بينهم أميركيون، حسبما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، لذلك لن تبقى الولايات المتحدة مكتوفة اليدين، إذ تمّ وضع قوات خاصة في دولة أوروبية مجاورة في حالة تأهب قصوى إذا استدعت الحاجة اليهم. كما ليس سراً بأن هناك عناصر من الجيش الأميركي موجودين على الأرض لمساعدة إسرائيل بـ”الاستخبارات والتخطيط” لعمليات الإنقاذ.
ويعتبر الخبراء أن عمليات إنقاذ الرهائن في غزة ليست “نزهة”، بل ستكون صعبة جداً. ومن المرجّح أن يكون الرهائن موزعين على مناطق عدة، كما أن الجيش الإسرائيلي سيُواجه خطر استهدافه بنيران الأسلحة الصغيرة والأسلحة المحمولة على الكتف، مثل القذائف الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة والكمائن، مما سيجعل تنفيذ مهمة محمولة بطائرات الهليكوبتر أمراً غير مرجّح نظراً للمخاطر.
في المقابل، خطّطت “حماس” لفترة طويلة من أجل معركة شوارع في غزة وتدرّبت عليها، كما أمضى عناصرها أعواماً طويلة في حفر الأنفاق والأفخاخ. ويمكن أن يكون التوغّل البرّي لمصلحتها، وستعتمد “حماس” بشكل كبير على القتال المتلاحم ونقاط القوة والقناصة خلال الهجوم الإسرائيلي، إضافةً إلى مبانٍ مصنوعة من الخرسانة والفولاذ غالباً ما تحتوي على أقبية وأنفاق يمكن أن تستغرق أحياناً أياماً أو أسابيع أو حتى أشهراً كي يتم تطهيرها.
ولا يخفي الإسرائيليون قلقهم بشأن احتمال امتلاك “حماس” لأسلحة وتكتيكات أكثر تطوراً لم تستخدمها بعد، مثل القدرات المضادة للطائرات.
مع ذلك، يرى الخبراء العسكريون أنه من الناحية النفسية فإن إسرائيل جاهزة للحملة البرّية حتى ولو ستطول أشهراً للقضاء على “حماس” بشكل كامل ومنع أي هجوم مماثل لِما حصل في 7 تشرين الأول الجاري.
لكن ثمة مخاطر قد تواجه إسرائيل عندما تبدأ الغزو البرّي، تتمثّل بتوسّع الحرب إلى صراع إقليمي. ومن الممكن أن يتدخّل “حزب الله” بقرار من إيران، إضافةُ إلى الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وجبهة الجولان من سوريا، وهذا ما قد ينقل الصراع إلى مستوى آخر.
أهداف إسرائيل المباشرة من العملية البرّية، وفق الخبراء العسكريين هي:
- أولاً : تدمير أكبر قدر ممكن من قوات “حماس” والبنية التحتية العسكرية بشكل منهجي.
- ثانياً: تحديد موقع الصواريخ التي يتم إطلاقها على الأراضي الإسرائيلية وتدميرها.
- ثالثاً : العثور على أكبر عدد ممكن من كوادر “حماس” وقتلهم وتحطيم قوتها القتالية.
- رابعاً : تدمير خطوط الإمداد التي تمكّن “حماس” من تلقي الأسلحة والمواد الأخرى من مصر، وهذا سيستغرق وقتاً، والحرب سوف تستمر حتى تحقق إسرائيل كل أهدافها.
أما الأهداف غير المباشرة فأهمها
إرسال تحذير إلى دول أخرى في المنطقة مثل إيران و”حزب الله” بأن إسرائيل ما زالت قوة لا يُستهان بها، واستعادة هيبتها التي تضرّرت بشدة في حرب الـ34 يوماً ضد حزب الله في لبنان عام 2006. فالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي لا تزال تتألم من الإذلال الذي تعرّضت له في لبنان، ترغب في إثبات مصداقيتها كقوة ردع.