ما الذي يجب حفظه من بيان البرلمان الأوروبي من إيجابيات حول لبنان؟

europe

نشطت في الآونة الأخيرة بعض المواقف السياسية الأوروبية واللبنانية في تناول توجّه البرلمان الأوروبي الى اتهام لبنان بالعنصرية فيما خصّ موضوع اللاجئين السوريين، ونُظمت حملات مركّزة على هذا الجانب، وإهمال الجوانب الأخرى من الاهتمام الأوروبي بلبنان.
لا بد طبعاً من رفض ما جاء في البيان الأوروبي بخصوص دعم بقاء النازحين السوريين في لبنان، وهذا أمر موضع شبه إجماع وطني في البلاد، لكن هذا البند يجب أن لا يثنينا عن النظر بإيجابية وترحيب الى البنود الأخرى التي لا تقلّ أهمية عن بند النازحين السوريين.
بدايةً لا بد من التذكير أن أوروبا اتخذت منذ العام 2013 موقفاً صارماً من سلاح حزب الله، وأدرجت الجناح العسكري للحزب على قائمة المنظمات الإرهابية.
كما لا يجب أن ننسى أن المواقف الأوروبية حيال أزمة لبنان كانت الى حد كبير واضحة في اتهام حزب الله بالسيطرة على القرار اللبناني بالسلاح والقوة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر : المملكة المتحدة منذ العام 2019، فألمانيا منذ العام 2020 وهولندا وجمهورية التشيك واستونيا وليتوانيا وكوسوفو وسواها من دول.

البرلمان الأوروبي كشف في بيانه الأخير حول لبنان أجواء غضبه وفقدان الثقة الكاملة بالمنظومة الحاكمة، وقد تضمن القرار بنداً أوصى بإنزال عقوبات صارمة في كل نطاق المنطقة الأوروبية على السياسيين اللبنانيين الذين يعرقلون مسارات الديمقراطية والإصلاح والعدالة، وذلك تعبيراً عن الاستياء الأوروبي من تصرفات المسؤولين اللبنانيين في المنظومة الحاكمة، والذين يُمعنون في مخالفة الدستور وتخطي مواعيد الاستحقاقات الدستورية كاستحقاق رئاسة الجمهورية، فأوروبا لا تستطيع، تحت أي ظرف أو تفسير أو اعتبار، تقبّل فكرة تجاوز الاستحقاقات الدستورية والمحطات القانونية في حياة الأمم والدول وبخاصة في لبنان، لأن معايير تعافي الدول تتضمن معياراً مهماً جداً ألا وهو معيار الشفافية السياسية وحكم القانون والمؤسسات الضامنة لتلك الشفافية، فعندما تصبح المؤسسات مغيّبة وحكام لتلك المؤسسات غير مبالين وأول المخالفين لقواعدها وقوانينها يصبح الموقف الأوروبي جازماً حازماً وسلبياً تجاه المنظومة وهذا هو الواقع راهناً.
والمعروف في دستور الاتحاد الأوروبي الدور المباشر الذي يلعبه البرلمان الأوروبي في صياغة موقف أوروبي موحّد حيال الملفات الخارجية بحيث أن توصيات وقرارات البرلمان تُلزِم الحكومات.
وفي نفس السياق، اللافت في القرار الأوروبي المطالبة بتعديلات جذرية في نظام المحكمة العسكرية للدلالة على رفض الأوروبيين لتوسّع صلاحيات تلك المحكمة الاستثنائية في النظام القضائي اللبناني، والتي باتت تشكل عبأ على سير العدالة باعتبارها محسوبة على فريق سياسي تستخدمه في ملاحقات مسيّسة بلا أسس قانونية شرعية ومشروعة،
فتصويب البرلمان الأوروبي على المحكمة العسكرية في لبنان دليل كبير على توجّس الأوروبيين من الدور الذي تلعبه تلك المحكمة، والتي من المقرر أساساً أن تكون صلاحياتها استثنائية ومتخصصة بنوع من الجرائم وبفئة محددة من المتقاضين أمامها، فيما باتت منذ سنوات تتجاوز تلك الصلاحيات بصورة عشوائية ومسيّسة للنيل من فئات لبنانية تعسفياً بناءً لإشارة سياسيين.
كذلك طالبَ البرلمان الأوروبي بنزع سلاح المجموعات المسلّحة في لبنان، وهذا بند مبدئي يُثابر على إظهاره الأوروبيون عند كل مناسبة تأكيداً على الموقف من سلاح حزب الله وحلفائه، وتحسّساً منهم لخطورة السلاح المتفلّت وغير الشرعي بيد فريق من اللبنانيين، وبخاصة حزب الله الذي بات الأوروبيون مدركين لدوره الحقيقي ليس فقط في زعزعة ركائز الدولة اللبنانية بل وأيضاً في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها.
البيان أوصى بتشكيل ثلاث لجان مهمة جداً للبنان :
١- لجنة أممية لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان كدليل على استمرار اهتمام أوروبا بمساعدة لبنان والتزامها بالوقوف الى جانب شعبه.
٢ – لجنة للدعم الإداري للبنان تساعد الإدارة العامة في النهوض والاستمرار كأساس لأي إصلاح مرتقب، إذ لا يمكن الحديث عن إصلاحات وتعديلات وتطوير اذا لم تكن أدوات الإصلاح موجودة وصامدة وأهمها الإدارة العامة التي ستكون هي مسرح الإصلاحات ومنفذتها.
٣- لجنة لتقصي حقائق دولية في جريمة انفجار المرفأ، وتشجيع تقديم الدعاوى على المسؤولين السياسيين أمام المحاكم الأجنبية والدولية، علماً أن القوات اللبنانية هي صاحبة هذا الطرح وقد سوّقت له بنجاح في أروقة القرار الأوروبي مؤخراً.

قرار البرلمان الأوروبي الأخير عاد وذكّر بالقرارات السابقة، فأتى على ذكر حزب الله مرات عدة مع حلفائه كمصدر كل أزمات لبنان، مما أصبحت معه هذه اللازمة موجودة ليس فقط في قرارات الاتحاد بل وأيضاً في الذاكرة الأوروبية الجماعية تترجمها سياسات الحكومات.

الواضح والجلي من القرار الأخير للبرلمان الأوروبي، وبغض النظر عن ملف النازحين السوريين الذي نرفضه كلياً، يظهر مجدداً الموقف الأوروبي الحقيقي من الملف اللبناني بكافة تفرعاته وتشعباته، ويترجم موقفاً أوروبياً يندرج في سياق تراكمي للمواقف من السلاح والاستقرار والاستحقاقات الدستورية والإصلاحات المطلوبة من لبنان.

هذه القرارات للبرلمان الأوروبي يجب أن تعقبها في بيروت متابعة حثيثة لمواكبة تنفيذها، والقوات اللبنانية خير فريق يُعوّل عليه في هذه المهمة بالتعاون مع سائر قوى وأحزاب المعارضة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: