أعاد إعلان الجيش الإسرائيلي عن عملية نفذتها وحدة الكوماندوز البحري في بلدة البترون، شمال لبنان، وما رافقه من نشر تسجيلات مصوّرة مرتبطة بعماد أمهز، تسليط الضوء على ملف يتداخل فيه الأمني بالسياسي والقانوني، في توقيت يتزامن مع مسار وقف إطلاق النار، واجتماعات لجنة "الميكانيزم"، والجهود الجارية لمعالجة ملف الأسرى والمفقودين.
في قراءة تحليلية، قال الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي إنّ "قضية عماد أمهز وتوقيت نشر الفيديو المرتبط بها لا يمكن فصلهما عن السياق السياسي والأمني الأوسع، لا سيما اجتماع لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار (الميكانيزم) والمفاوضات الجارية"، لافتاً إلى أنّ "إسرائيل تحاول من خلال هذا التوقيت تبرير عدم انسحابها من النقاط الخمس، عبر القول إنّ حزب الله لا يزال موجوداً ويمارس نشاطاً عسكرياً".
وأشار قهوجي إلى أنّ "الرسائل الإسرائيلية تهدف أيضاً إلى إظهار أنّ دور (حزب الله) أكبر بكثير مما يُتصوَّر داخل لبنان"، معتبراً أنّ "الحزب لم يعد مجرّد تنظيم محلي، بل باتت جزءاً من مشروع إقليمي واسع تقوده إيران".
وأوضح أنّ "المسألة لا تتصل بخندق أو موقعين عسكريين، بل ببنية متكاملة تشمل قدرات بحرية وبنى تحتية وتحضيرات استراتيجية"، مشيراً إلى أنّ "إيران استثمرت عشرات ملايين الدولارات في هذا المشروع"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "ما تكشفه إسرائيل يهدف إلى إبراز حجم الاستثمار العسكري الذي جرى في بلد يرزح شعبه تحت ضغوط داخلية كبيرة".
وتابع قهوجي أنّ "الملف المطروح يتجاوز جنوب الليطاني"، لافتاً إلى أنّ "القضية لا تقتصر على هذه المنطقة، بل تشمل البعد البحري ومناطق أخرى، خصوصاً أنّ أمهز كان وقت العملية في البترون شمال لبنان".
وقال إنّ "إسرائيل تتحدث عن أنفاق ومخازن أسلحة وعتاد، في محاولة لإظهار تناقض بين ما تعلنه الدولة اللبنانية عن مسار نزع السلاح، وما تعتبره استمراراً لنشاط (حزب الله) العسكري وتسليحه".
ورأى أنّ "محاولة نفي الصفة المدنية عن عماد أمهز تندرج في هذا السياق"، موضحاً أنّ "إسرائيل تحاول منذ البداية تقديمه على أنّه مرتبط بما تسميه السلاح البحري لـ(حزب الله)"، مضيفاً أنّ "الدولة اللبنانية تؤكد في المقابل أنّ جوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، فيما تردّ إسرائيل بأنّ السبب الأساسي هو أنّ (حزب الله) لم يُوقف تسليح نفسه وأنّ التهديد لا يزال قائماً".
في المقابل، قال عضو هيئة ممثلي الأسرى والمحررين من السجون الإسرائيلية نبيه عواضة، إنّ "قضية عماد أمهز تُعد، من وجهة نظر قانونية، قضية مدني خُطف من منطقة لبنانية بعيدة عن الحدود"، مشيراً إلى أنّ "احتجازه لا يندرج في إطار الاعتقال العسكري".
ولفت إلى أنّ "هذا الأمر ينطبق أيضاً على حالات أخرى موثّقة"، مشدداً على أنّ "الملف يُتابَع مع الجهات الرسمية اللبنانية ومع اللجنة الدولية للصليب الأحمر".
وأضاف أنّ الدولة اللبنانية تتعامل مع عماد أمهز على أساس أنّه مدني، وتعتبر أنّ "مكان توقيفه وظروفه وطبيعة احتجازه لا تندرج ضمن أي اشتباك عسكري أو عمل قتالي"، مشيراً إلى أنّ "هذا التوصيف هو الذي تعتمد عليه الدولة في مقاربتها للملف أمام الجهات الدولية".
وأوضح عواضة أنّ "هذا الملف بكامل تفاصيله طُرح خلال اللقاء مع رئيس الجمهورية، الذي أبدى قناعة تامة بأن أولوية المرحلة الحالية هي الإفراج عن الأسرى اللبنانيين"، مشيراً إلى أنّ "الرئيس شدد على ضرورة البدء على الأقل بالمدنيين الذين اعتُقلوا بعد الحرب، باعتبار أنّ الأعمال القتالية توقفت، ولم يعد هناك أي مبرر قانوني لاحتجازهم". ولفت إلى أنّ "رئيس الجمهورية تحرّك على هذا الأساس عبر التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب جهات دولية وأميركية".
في موازاة المواقف الرسمية، قالت أوساط عائلة عماد أمهز، إنّها تنفي علمها بأي نشاط عسكري منسوب إليه، مؤكدة أنّ "أمهز كان يمارس حياته المدنية بشكل طبيعي"، وأنّ العائلة "لم تُبلَّغ في أي وقت بوجود ارتباط له بأي عمل عسكري أو أمني". وأضافت أنّ "ما نُشر من تسجيلات أو معطيات لا يعبّر عن رواية العائلة".
وفي ما يتصل بتفاصيل الأرقام، قال عواضة "إنّ الملف المرفوع إلى رئيس الجمهورية يتضمّن 20 أسيراً لبنانياً، مؤكَّد وجودهم في السجون الإسرائيلية، نصفهم اعتُقلوا خلال الحرب ونصفهم بعدها". وأوضح أنّ "بين معتقلي الحرب سبعة مقاتلين وثلاثة مدنيين، من بينهم عماد أمهز الذي يُعدّ مدنياً، فيما المعتقلون بعد وقف النار جميعهم مدنيون، إضافة إلى ثلاثة مفقودين قبل الحرب ونحو 40 مفقوداً منذها".