ما بعد ١٥ أيار وسيناريو "العرقنة"

Doc-P-768012-637415464615663603 (2)

مما لاشك فيه أن ما بعد ١٥ أيار لن يكون كما ما قبله، فنتائج الإنتخابات النيابية لم تقلب المشهد الداخلي اللبناني وحسب بل والأهم المشهد الإقليمي في تداعيات ما رشح من صناديق الإقتراع لجهة خسارة حزب الله لأكثريته النيابية، ما استدعى ردود فعل سياسية نارية من النائبين محمد رعد وحسن فضل الله لم تخلُ من التهديد من مغبة عدم التعايش مع الكتل النيابية الجديدة المنبثقة من الإنتخابات لبنان إعتبارا من ١٦ أيار، أوصل للعالمين العربي والدولي إشارة مهمة بأنه بدأ يتحرر من وطأة الإحتلال الإيراني وسيطرة حزب الله على مفاصل حياته الوطنية .لكن يبقى أن أمام اللبنانيين التغييرين والسياديين تحت قبة البرلمان ثلاثة تحديات :

الأول كيفية التعايش مع وجود ضاغط ومؤثر لحزب الله وحلفائه ولو الأقلويين تحت قبة البرلمان في كافة الملفات السيادية، وبالتالي كيفية مواجهة رفضه لأي مشروع قانون أو اقتراح قانون أساسي وجوهري سوف يُعرض إن فشل في منع تمريره في مواجهة إصرار أكثري سيادي وتغييري.

التحدي الثاني هو كيفية التعاطي مع حزب الله القادر عندما يفقد السيطرة على القرار الرسمي وقبضته على مفاصل القرار في الدولة فيلجأ الى البلطجة وربما السلاح.

أما الثالث فكيفية مواجهة الإستحقاقات الداهمة من انتخاب هيئة ورئيس مكتب مجلس نواب جديد وانتخاب رئيس جمهورية، خصوصاً بعد تراجع حظوظ الوزير سليمان فرنجيه الذي لم تبدِ طهران حماسة لترشيحه خلافاً للروس، وانعدام حظوظ النائب جبران باسيل خصوصاً بعد تراجع تياره تمثيلياً الى المرتبة الثانية مسيحياً وانحسار حجم كتلته النيابية الجديدة،من هنا يُطرح احتمال تحول لبنان الى المشهد العراقي ( العرقنة) حيث ثلاث قوى نيابية لاتستطيع أي منها أن تحكم، علماً أنه اذا أردنا رسم صورة عامة للمجلس النيابي الجديد المنتخب سوف نلاحظ تطابقاً مع النموذج العراقي حيث هناك قوى التغيير والسيادة من جهة وقوى الوسط والمستقلين من جهة ثانية وقوى إيران وحلفائها من جهة ثالثة.فهل يدخل لبنان نفق الجمود الدستوري الذي يترافق مع الصدام المباشر ؟

لا شك أن المعطيات والحسابات التي أفرزتها صناديق الإقتراع أيقظت لدى حزب الله وحلفائه مخاوف كبيرة ناجمة عن شعورهم بأنهم فقدوا السيطرة التي إطمأنوا اليها طوال عقود على قرار الدولة خصوصاً مع أفول عهد سلّمهم ما أرادوه، وسقوط رموز سلطة لطالما شكّل وجودهم رافعة لسياساتهم ونهجهم في انتخابات ١٥ أيار .الإستحقاقات كبيرة وداهمة أمام المجلس الجديد من التصدي لسلاح الحزب والدفع باتجاه تقوية الدولة ومؤسساتها ومواكبة التفاوض مع صندوق النقد الى الترسيم، فالتصدي للملفات الإصلاحية ومحاربة الفساد وإقرار خطط النهوض وسواها من قوانين وملفات شائكة ستتطلب تشكيل تكتلات نيابية أو "جبهات نيابية" سيادية وتغييرية لا تخاف من مواجهة السلاح غير الشرعي وسطوته وفائض قوته كما أثبت أهالي بعلبك- الهرمل بشجاعتهم قوة مواجهة لاستبداد وبطش وبلطجة الحزب يوم الإنتخابات ضد المرشح النائب أنطوان حبشي وجمهوره وحزبه وناخبيه .

إنكسر حاجز الخوف من السلاح الإيراني ومعه تراجعت السطوة على الدولة والقرار الحر لسان حال نوابنا السياديين في المجلس تكرار القول الشهير لأحد كبار الثوار الفرنسيين إبان الثورة الفرنسية الكبرى ميرابو لجنود السلطة القمعية وسط البرلمان : إذهبوا لمن أرسلكم وقولوا لهم إننا هنا بإرادة الشعب ولن نخرج الا بقوة البنادق".إنها مرحلة جديدة محفوفة بالتحديات الإقليمية والداخلية تنتظر لبنان لكن الحجر الأساس قد وضع : حجر التحرر واستعادة السيادة وقرار الدولة، الأمر الذي بدأ يجذب اهتمام المجتمعين العربي والدولي مجدداً في وقت تسعى الولايات المتحدة الأميركية الى عزل الرئيس فلاديمير بوتين عن أوروبا وآخر تجليات هذا العزل تقدّم فنلندا والسويد بطلب الانضمام الرسمي الى حلف الناتو تمهيداً لعزله عن المنطقة، وغيثها زيارة الرئيس بايدن الى المنطقة لتسويق الاتفاق النووي من أجل إبعاد إيران عن روسيا وفكفكة المحور الصيني- الروسي- الإيراني، بالتزامن مع بحث مستقبل الأسد في سوريا حيث أن إحدى أبرز معالجات الملفين اللبناني والعراقي بعد إضعاف إيران فيهما تبدأ بتقرير مصير النظام السوري وصيغة حكم سوريا إنطلاقاً من صيغ المجلس العسكري الإنتقالي الذي وضعت ركائزه منذ سنوات في جنيف وإحياء لها في لحظة "كباش" دولي إقليمي مستعر .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: