كتب سعيد مالك في “نداء الوطن”:
العديد مِن اقتراحات القوانين قُدّمت بِغرض تبديل قانون الانتخابات الحالي، تضمّنت مواد تهدف إلى إنشاء مجلس للشيوخ، عملًا بأحكام المادة 22 من الدستور اللبناني.
علمًا، أنّ كافة هذه الاقتراحات والتي تتضمّن طروحات كهذه، ساقطة وغير قابلة للحياة على الإطلاق.
فمِن جهةٍ أولى، إنّ استحداث مجلس للشيوخ بحاجة إلى قانون دستوري وليس إلى قانون عاديّ. كَون مجلس الشيوخ هو مؤسسة دستوريّة، تُحدّد صلاحياتها بموجب نصّ دستوري وليس نصّ قانون عادي. فالمادة 22 من الدستور نصّت على أنّ صلاحيّات مجلس الشيوخ تنحصر في القضايا المصيريّة…كذا… فمَن الذي يُحدّد القضايا المصيريّة؟ ومَن قال إنّ القضايا المصيريّة هي المُحدّدة حصرًا في الفقرة الأخيرة من المادة 65 من الدستور؟ وبالتالي، تحديد هذه الصلاحيات والمهام بحاجة إلى قانون دستوري وليس إلى قانون عاديّ.
مع الإشارة، إلى أن استحداث مجلس الشيوخ جاء في الباب الثاني من الدستور، الذي حمل عنوان “السلطات” وأكثر تحديدًا تحت عنوان “السلطة المشترعة” هذا يُفيد بأنّ هذا المجلس عند تكوينه سيكون جزءًا من السلطة المشترعة. بحيث يُصبِح البرلمان مُشكّلًا من مجلسين، مجلس للنواب ومجلس للشيوخ. وهذا ما يستدعي تنظيم العلاقة بين المجلسين المذكورين. وهذا التنظيم بحاجة إلى قانون دستوري وليس إلى قانون عادي. ما يؤكد، أنّ الاقتراحات والتي تنهمر على اللجان النيابية المشتركة لن تُجدي نَفعًا. فالأمر بحاجة إلى قانون دستوري وليس إلى قانون عادي.
هذا مِن جهة، ومِن جهةٍ أُخرى مِن المُستغرب تقديم هذا الكّم من اقتراحات القوانين بغرض استحداث مجلس للشيوخ. فإمّا مَن يُقدّم مثل هذه الاقتراحات يهدف إلى التعمية، أم صرف النظر عن أمور أُخرى، أم تكبير الحجر، أي لغايةٍ في نفس يعقوب، وإمّا أنّ مَن يقوم بذلك غير مُطّلع على أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني.
علمًا، أنّ استحداث مجلس للشيوخ يجب أن يحصل ضمن خريطة طريق، وضمن آلية واضحة وشفّافة.
فالمادة 95 من الدستور نصّت على أنّه يقتضي المُباشرة بالإجراءات (إجراءات الاستحداث) وفق خطّة مرحلية. وعبر تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيّات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمّتها دراسة واقتراح الطُرُق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية، وتقديمها إلى مجلسي النوّاب والوزراء لدراستها وإقرارها.
ما يُفيد، بأنّ تشكيل مجلس الشيوخ لا يحصل اعتباطيًا، إنّما وفق خطّة مرحلية، تبدأ بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. وتُستكمل بانتخاب مجلس نوّاب على أساس وطني لا طائفيّ، وفقًا لما جاء نصّه في المادة 22 من الدستور اللبناني. على أن تنتهي باستحداث مجلس للشيوخ بعد تحديد صلاحياته ومهامه.
مِن هُنا يُطرح السؤال، ما الغرض مِن إثارة موضوع استحداث مجلس للشيوخ في هذا التوقيت المشبوه؟
فالجواب عن ذلك واضح، لأنّ الهدف هو رفع السقوف، بغرض ابتزاز أكبر قدر ممكن من المكاسب ومن التعديلات على القانون الحالي.
وعوض التلهّي بطروحات جوفاء، يقتضي الانصراف إلى تحصين هذا القانون، عبر إدخال بعض التعديلات التحسينية عليه.
فالمجلس النيابي المُنتظر عام 2026 ستكون مهمّته إطلاق مفهوم الدولة، واستعادة الحقوق، والسيادة الكاملة.
وبالخُلاصة، إنّ المُطالبة باستحداث مجلس للشيوخ في الوقت الحالي لا يستقيم. لا بالشكل ولا بالأساس ولا بالتوقيت أم الآلية.
مع التأكيد، أنّ لبنان لا يقوم على السطحيّة في الطروحات. إنّما على الاقتراحات البنّاءة التي يُمكن البناء عليها. وإلى السياسيين أتوجّه بأن يكفّوا عن إطلاق “مسار التكاثُف” (condensation Trails) للحيلولة دون كشف مراميهم وغاياتهم من طروحات مشبوهة كهذه وغير مُجدية وغير بنّاءة وغير قانونية ولا دستورية.
فالأوطان لا تُبنى بالخِفّة، إنّما بالمسؤولية والجدّيّة.