محادثات الإليزيه بالوقائع: السباق مع الانفجار

الجنوب 1

حملت معالم عودة التصعيد الميداني على جبهة الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل في الساعات الـ 48 الأخيرة تفسيرات أساسية للحركة الاستثنائية المتجددة التي اضطلعت بها فرنسا في الأيام السابقة، اذ عزز هذا التصعيد المخاوف المتعاظمة لدى فرنسا كما لدى سواها من دول معنية من اتساع رقعة التصعيد الحربي بما يتهدد لبنان بحرب شاملة. ومع ان الاستحقاق الرئاسي تحركت وتيرته في الأسبوع الماضي ان عبر جولات واجتماعات لجنة السفراء لدول المجموعة الخماسية وان عبر المحادثات اللبنانية الفرنسية التي أجريت في قصر الاليزيه الجمعة الماضي، فان هذا التحريك بدا بدوره نتيجة توافق أميركي فرنسي ضمني على الضغط المزدوج لإخراج لبنان من اسر الخوف من الحرب، كما من الآثار العميقة للفراغ الرئاسي على مجمل استقرار لبنان اذ اتضح ان محادثات الاليزيه لم تنفصل اطلاقا عن التنسيق المتجدد بين فرنسا والإدارة الأميركية ومعالم تشديد التنسيق بينهما على المضي قدما في منع انزلاقه نحو حرب كارثية. ولم يكن أدل على المناخ المثير لتصاعد هذه المخاوف من اعلان الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس امس أن “الحدود الشمالية هي ساحة التحدي الأكبر ونقترب من نقطة الحسم في لبنان”، فيما اتسمت علائم التصعيد الميداني جنوبا بعودة “حماس” الى اعلان مسؤوليتها عن اطلاق زخات صواريخ من الجنوب اللبناني في اتجاه إسرائيل.

وفي تقرير جديد لمراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن خلاصات المحادثات التي اجراها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون ان فرنسا قلقة جدا من توسيع إسرائيل للحرب على غزة الى لبنان. اذ ان بعض الطبقة الفرنسية المسؤولة يتوقع هجوما إسرائيليا على لبنان على غرار ما تقوم به الدولة العبرية في غزة وجزءا آخر يرى ان إسرائيل ستستمر في ما تقوم به في الجنوب اللبناني من عمليات. وسعى ماكرون في دعوته للوفد اللبناني الى مناقشة الخطة الفرنسية لوقف اطلاق النار في الجنوب وتهدئة الوضع على هذه الجبهة فطلب من ميقاتي بصفته رئيس حكومة مسؤولا ان يدفع “حزب الله” الى عدم الاستمرار في ربط القصف على اسرائيل بحرب غزة، كما عمل مع الاميركيين على تهدئة الجيش الإسرائيلي على هذه الجبهة. وطالب ميقاتي ماكرون ببعض التعديلات على الورقة الفرنسية التي تمت الموافقة عليها سابقا من الجانبين اللبناني والإسرائيلي دون ان تنفذ. فطالب بإزالة بعض التعابير منها مثل الترتيبات الأمنية بين إسرائيل ولبنان لأن الجانب اللبناني لا يوافق عليها. كما ان الجانب اللبناني يرى انه من غير المفيد الإشارة الى انسحاب “حزب الله” لعشرة كيلومترات من الخط الأزرق بل الحديث عن إعادة تموضع الجميع من “حزب الله” الى الجيش اللبناني الى “اليونيفيل” وتنفيذ القرار 1701 من الجميع. ووعد الجانب الفرنسي باجراء تعديلات على الورقة وتوجيهها مجددا الى اللبنانيين على ان يجري ميقاتي اتصالاته بـ”حزب الله” في شأن هذه التهدئة كما التزم ميقاتي لماكرون ان يطلعه على الرد في الأيام المقبلة بعد استشارات سيجريها حول الموضوع. واراد ماكرون تحميل ميقاتي كرئيس لحكومة لبنان مسؤولية افهام “حزب الله” بخطورة الوضع وفي الوقت نفسه تقوم فرنسا بالاتصالات مع الجانب الإسرائيلي بهدف التهدئة بالتنسيق الكامل مع الاميركيين ومع مجموعة الدول الخمس التي يشارك فيها جان ايف لودريان المبعوث الرئاسي الى لبنان وهي المجموعة الدولية الموكلة تسهيل الاستقرار في لبنان والتوصل الى حل لازمة الانتخاب الرئاسي في لبنان. اما في موضوع الرئاسة، فالرئيس ماكرون مهتم جدا بأن يتم انتخاب رئيس وان تشكل حكومة فيما يرى الجانب اللبناني ان انتخاب رئيس حاليا بمثابة معجزة لعدم الاتفاق بين “حزب الله” والأحزاب المسيحية وايضا بين المسيحيين انفسهم، لكنه وعد ميقاتي ببذل المزيد من الجهود على هذا الصعيد. تجدر الإشارة الى ان ماكرون اتصل هاتفيا برئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لقائه ميقاتي وقائد الجيش من اجل دفعه الى حل مشكلة الرئاسة والانتخاب الرئاسي. وهناك تساؤل لدى بعض الأوساط الفرنسية المعنية بالملف اللبناني حول سبب عدم قيام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بجمع كل الاطراف المسيحيين وان يطلب من كل رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس “المردة” سليمان فرنجية ان يلتزموا بأنهم ليسوا مرشحين للرئاسة وان ينتقلوا الى الاتفاق على اسم. وزيارة الموفد الرئاسي لودريان الى لبنان ما زالت مؤجلة الى ان يطرأ جديد على الموضوع الرئاسي، اذ ليس من تغيير في ما سمعه حتى الآن من الأطراف اللبنانيين رغم ان المجموعة الخماسية أصبحت موحدة في موقفها من ضرورة انتخاب رئيس بعد ان وافق الجانب الأميركي على التنسيق مع المجموعة.

بالنسبة الى قائد الجيش كانت زيارته ايجابية لرئيس الأركان الفرنسي تييري بوركارد بانضمام رئيس الأركان الإيطالي الذي ترأس بلده اليونيفيل و تقدم مساعدات للجيش اللبناني، كما كان لقاؤه بالرئيس الفرنسي مثمرا اذ ان العماد عون قدم خطة لتحسين أداء الجيش اللبناني وتمكينه من الانتشار في الجنوب على ان يحصل على مساعدات مالية تمكنه من زيادة عدد المتطوعين وتحسين رواتب الجنود وحصوله على المزيد من التجهيزات. ووعد الرئيس ماكرون قائد الجيش ببذل الجهود على الصعيد الدولي مع الشركاء منهم إيطاليا لتقديم المساعدات التي يحتاج اليها الجيش. ووعد ماكرون ميقاتي بانه سيعمل لزيادة الدعم للسلطات اللبنانية لمساعدتها على تحمل عبء قضية اللاجئين السوريين والعمل على عودتهم الى بلدهم بالشروط الدولية أي على أساس طوعي وانساني مقبول. لكن فرنسا مدركة ان الكثير من اللاجئين الذين يغادرون لبنان يعودون في اليوم التالي اليه لأن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في سوريا مزرية وهي أسوأ من لبنان. الى ذلك اكد الاتحاد الأوروبي انه ينتظر من لبنان إصلاحات اقتصادية ضرورية من اجل تقديم المساعدات وستزور رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين ستزور لبنان قريبا لتوضيح هذه الأمور.

يشار في السياق الى ان معلومات “النهار” تفيد بان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اتصل به الرئيس ماكرون الجمعة لن يقوم حاليا بزيارة لباريس كما تردد. ومن المقرر ان يلتقي بري غدا الثلثاء مجددا سفراء مجموعة الدول الخمس بعد جولتهم الأخيرة على القيادات السياسية . 

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: