في خضم ما تضخه الفضائيات العربية ووسائل اعلام الممانعة من ملاحم بطولية تسطر في انتصارات المحور الممانع واستهدافاتها الصائبة للعدوين الأميركي والصهيوني طفا على سطح الأحداث الخبر الذي أوردته وكالة رويترز في 15 آذار والذي حمل معاني ومؤشرات واقعية تخالف وتنقض ما يُضخّ وما يُسطّر فضائيا وافتراضيا .. ومن هنا نبدأ.
في 15 آذار 2024 نقلت وكالة رويترز عن مصادر متعددة عن لقاء جمع قائد فيلق القدس اسماعيل قآاني وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ونقلت الوكالة ان نصر الله “طمأن” في اللقاء قاآني بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة وأن حزب الله سيقاتل بمفرده. اذ قال نصر الله لقاآني “هذه هي معركتنا”
وحسب رويترز ترأس قاآني اجتماعاً لمدة يومين في إيران قبل لقاء نصرالله في مطلع شباط مع قادة العمليات في فصائل باليمن والعراق وسوريا وثلاثة ممثلين عن حزب الله ووفد من الحوثيين.
“ وفي الاجتماع اتفق كل المشاركين في النهاية على أن إسرائيل تريد توسيع دائرة الحرب وأنه يجب تجنب الوقوع في هذا الفخ لأنه سيبرر وجود قوات أمريكية إضافية في المنطقة”.
اولا في قراءة ان نصرالله “طمأن” قآاني بأنه “لا يريد ان تنجر ايران الى حرب مع اسرائيل أو الولايات المتحدة الاميركية” فان ذلك يسقط عن ايران صفة المقاومة وراس الممانعة التي “انتحلتهما” منذ العام 1979 كما يسقط عن نصرالله وحزبه ما ادعاه من “حرص على المصلحة الوطنية” باعتماده “الانضباط في قواعد الاشتباك” كما يثبت ايلائه المصلحة الايرانية همه الأولَ ان لم يكن الأوحد وكأن بنصرالله يضحي ب”انجرار لبنان في الحرب لصالح عدم انجرار ايران حفاظا على مصالحها وعلى حساب لبنان واللبنانيين.
ثانيا في قراءة “أن إسرائيل تريد توسيع دائرة الحرب وأنه يجب تجنب الوقوع في هذا الفخ”…فأنه يفتح الباب امام التلاقي مع ما تحذر منه كل القوى المعارضة للحزب والحرب حاليا وما كانت قد حذرت منه سابقا قبل اجتياح 1982 ولاحقا مع ما حذرت منه كل القوى ومنها الدائرة اليوم في الفلك الايراني الممانع “من العودة الى ما قبل العام 1982” والشواهد على ما نقول كثيرة ومعبّرة.
قبل الاجتياح الأول في 14 آذار 1978 تساءل الرئيس الاعلى لحزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل الجدّ في 7 تشرين الثاني 1977:”إذا اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان فمن يكون المسؤول عن ذلك؟ أفلا تكون المقاومة مسؤولة عن الاجتياح؟”…ليكرر رئيس الكتائب الراحل في 25 آذار 1978 بعد الاجتياح” المطالبة بألا يقتصر دور القوات الدولية على منع الفدائيين من تخطي الخط الأحمر الإسرائيلي، وطالب بأن يتعدّاه إلى مساعدة السلطة اللبنانية على بسط سيادتها.”
ليأتي اجتياح 1982 غير المفاجىء اذ رأى فيه الكثير من الجنوبيين خلاصا وتخليصا من التجاوزات الفلسطينية مهللين ناثرين للورود والأرز على المجتاحين المحتلين.
لتنشب بعدها ما سمي ب”حرب المخيمات” بين أمل والفلسطينيين من أيار 1985 وحتى تموز 1988 تحت شعار وحجة رفعتهما حركة أمل “عدم العودة الى ما قبل العام 1982”
حتى في حرب الاخوة بين “حركة أمل وحزب الله” والتي امتدت من آذار 1988 حتى تشرين الثاني 1990 اتهمت الحركة “الحزب” باعادة لبنان والجنوب الى ما قبل 1982 والتسبب باجتياح ثاني وفي هذا يقول المفتي الجعفري الممتاز الراحل الشيخ عبد الأمير قبلان في 4 تشرين الثاني 1988 “…اما انتم يا اهلنا في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب المقاوم والبقاع الراعد نقول لكم ان الخطر داهم والاجتياح على الابواب وما نبتلي به في الضاحية شبيه الى حد ما ابتلينا به في الجنوب قبل الاجتياح الاسرائيلي العام 1982″و في 6 تشرين الثاني 1988 يقول المسؤول الاعلامي لحركة امل في الجنوب المحامي ملحم قانصوه:”انهم يريدون تحت شعار مقاتلة اسرائيل عودة الاوضاع الى الجنوب كما كانت عليه قبل عام 1982 الذي ادى الى احتلال اسرائيل للجنوب ووصولها الى بيروت…
حتى حزب الله تبنّى ما حذر منه معارضوه ومحاربوه سابقا وأوليائه الايرانيين حاليا وذلك في الاتفاق الأول ل”وقف الاقتتال” تاريخ 30 كانون الثاني 1989 والذي وقعه الحزب مع حركة أمل في دمشق اذ ورد في بنده ال11 “عدم العودة الى الوضع الذي كان سائدا قبل العام 1982 في جنوب لبنان”
لنتوقف أخيرا عند تصريح لرئيس مجلس النواب نبيه برّي في 18 آب 1996 اي بعد احتكار حزب الله وحده للمقاومة وبعد التحالف العضوي والاستراتيجي بين امل وحزب الله بمباركة ايرانية-سورية اذ يخلص رئيس حركة أمل فيه انه “لا عودة للبنان وللجنوب الى ما قبل عام 1982 …وان المقاومة هي من اجل الوطن وليس الوطن من اجل المقاومة نقدمها في سبيل حياة الوطن ولا نستهتر بنقطة دم ولا نتاجر بالشهادة والشهداء ولا نبني وطنا على حساب المواطنين”.
ومما تقدّم وتوثّق “الحزب” اليوم هو امام خطيئة نبه منها العالم الفيزيائي الالماني البرت اينشتاين وهي” تكرار فعل نفس الشيء عدة مرات وتوقعها نتائج مختلفة”
والعبرة تبقى لمن يريد ان يعتبر.