عقد مجلس كنائس الشرق الأوسط الجلسة الافتتاحيّة للاجتماع السنوي لشركائه الدوليّين اليوم في مركز لقاء في الربوة والذي يستمر حتى يوم غد الأربعاء، بعنوان "معًا من أجل شراكة مسكونيّة أكثر استدامة".
استهلت الجلسة بكلمة للأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس بعنوان "في الشراكة الروحية وسياسات المؤسسات"، قال فيها: "عاش لبنان وفلسطين، وغيرها من بلدان الشرق الأوسط والعالم العربي كوارث ونكبات، انعكست على هذه البلدان بشكل جذري واحدثت تحولات قد تكاد تكون بنيوية. في خضم هذه الاحداث، تنكب المؤسسات التي اخذت على عاتقها بلسمة جراح الناس ومشاركتهم في حمل اعبائهم، على القيام بواجبها قدر المستطاع وحسب الإمكانات المتاحة لها، ولكن في ظروف اقتصادية لا نستطيع ان نصفها بالمريحة بالنسبة الى العالم غير الصناعي والذي يعاني من أزمات لا عد لها ولا حصر".
وشارك وزير الاعلام المحامي بول مرقص والنائب نعمة افرام في جلسة حوارية بعنوان "الشرق الأوسط على مفترق طرق: آفاق وتحوّلات"، افتتحها رئيس اتّحاد الكنائس الأرمنيّة الإنجيليّة في الشرق الأدنى، رئيس جامعة هايكازيان في لبنان، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّة القسّ د. بول هايدوستيان بكلمة شدد فيها على أهميّة الشهادة للوحدة المسيحيّة مشيراً إلى أنّ "اجتماع الشركاء ليس مجرّد مناسبة إداريّة لعرض التقارير، وإنّما وقت للتأمّل الذاتي ومشاركة التحاليل"، وأضاف "بروح الامتنان، نحتفل بهويّتنا المشتركة ودعوتنا كأبناء المسيح... دعوة للإنسانيّة. في المسيح، خلقنا الله أحياءً معًا".
بعدها، رفع القسّ هايدوستيان الصلاة على نيّة المجتمعين ومن أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم.
ثم كانت للوزير مرقص كلمة بعنوان "الشرق الأوسط عند مفترق طرق نحو شكل جديد للأرض والهويّة"، تطرّق فيها إلى الواقع الّذي يمرّ به لبنان والظروف الصعبة الّتي يشهدها، مشدّدًا على ضرورة التعاون معًا وتضافر الجهود محليًّا وعالميًّا من أجل مجتمعات سليمة ومستقبل أفضل.
وقال مرقص: يشرفني ويحمّلني مسؤولية كبيرة أن أخاطبكم اليوم حول موضوع بالغ الأهمية: الشرق الأوسط على مفترق طرق.
لطالما كان هذا الإقليم، منذ آلاف السنين، أكثر من مجرد تعبير جغرافي. لقد كان مهد الحضارات، ومهد الديانات التوحيدية الثلاث، ومكان التقاء للثقافات والتجارة والأفكار. من ضفاف النيل إلى ضفاف الفرات، ألهم الشرق الأوسط البشرية بإسهاماته في الفلسفة والعلم والفن والروحانية. وكما ذكّرنا جبران خليل جبران ذات يوم: "من المعاناة خرجت أقوى النفوس." فهذه أرض عرفت العظمة كما عرفت الألم، وشهدت على الابتكار كما عرفت عدم الاستقرار، واحتضنت الوعد كما واجهت الألم".
أضاف:"اليوم، يقف الشرق الأوسط في لحظة حاسمة، ليس فقط على صعيد الأرض والهوية، بل أيضًا على صعيد الرؤية والمستقبل. التحديات أمامنا جسيمة. فالنزاعات المسلحة هجّرت الملايين، مما أدى إلى أزمات إنسانية يتردد صداها بعيدًا خارج حدودنا. والأرقام تتحدث عن نفسها: فالمنطقة تستضيف بعضًا من أعلى نسب اللاجئين والنازحين داخليًا في العالم. وتزيد الصعوبات الاقتصادية من حدة هذه الأزمات. ففي العديد من بلداننا، تظل معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة بشكل مقلق. وعندما يفقد الشباب إيمانهم بالمستقبل، يبدأ نسيج المجتمع ذاته في التصدّع. والانقسامات الاجتماعية، وانعدام الثقة، والتوترات الطائفية تهدد تماسك مجتمعاتنا. ويضاف إلى هذه التحديات الإقليمية أزمات عالمية مثل تغيّر المناخ، والأوبئة، والتحولات التكنولوجية السريعة. وهي، على الرغم مما تحمله من وعود، تشكّل تهديدًا حقيقيًا بإقصاء من لا يمتلكون سُبل المعرفة والبنية التحتية".
وتابع: "مع ذلك، فإلى جانب هذه العقبات، هناك فرص استثنائية. فالشرق الأوسط ليس فقط إقليمًا يعاني، بل هو أيضًا إقليم للصمود، والإبداع، ورأس المال البشري. شبابنا ليسوا فقط ضحايا عدم الاستقرار؛ بل هم قادة محتملون، ومبتكرون، وروّاد أعمال. وتراثنا الثقافي، ليس مجرّد بقايا من الماضي، بل هو مصدر وحدة واعتزاز. وتنوّعنا، إذا ما أُدير بحكمة، يمكن أن يصبح قوة لا مصدرًا للانقسام. ولكن دعونا نكون واضحين: لا يمكن للحكومات أن تعمل بمفردها، فحجم التحديات التي نواجهها يتطلب شراكة. شراكة بين الدول، والمؤسسات الدولية، والمجتمع المدني. شراكة بين الطوائف الدينية، والمؤسسات الثقافية. شراكة ترمم الانقسامات، وتضع الإنسان في مركز الاهتمام".
وقال: إن مجلس كنائس الشرق الأوسط مثال على هذا الالتزام. فمهمته تتجاوز الحدود الطائفية: لقد دافع عن كرامة الإنسان، وبنى جسور التلاقي بين الشعوب، وقدم التضامن حيث كانت الحاجة أشد. وهو يذكّرنا بأن الإيمان، حين يُترجم إلى خدمة، يصبح قوة للشفاء والمصالحة. ويجب أن يمتد هذا الروح من الشراكة إلى جميع المجالات، شراكة للتخفيف من المعاناة: فلا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر بينما يُترك الضعفاء خلف الركب من المهجّرين، والفقراء، والمهمّشين.
شراكة في التعليم: فالتعليم هو حجر الأساس الحقيقي للتجدد. وكما قالت ملالا يوسفزاي: "طفل واحد، ومعلم واحد، وكتاب واحد، وقلم واحد يمكن أن يغيّر العالم." من واجبنا أن نضمن أن يحمل أطفالنا الأقلام، لا الأسلحة.
شراكة لحماية الثقافة والتراث: فهذه ليست كماليات؛ بل هي الخيوط التي تنسج هويتنا المشتركة، وتحمينا من تآكل الذاكرة.
شراكة من أجل الحوار: فالحوار الحقيقي ليس غياب الاختلافات، بل فن تحويلها إلى مصادر غنى وإبداع.
أضاف مرقص: "بصفتي وزيرًا للإعلام، أدرك تمامًا أن الكلمات تهم، وأن الروايات تصنع الواقع. فطريقة سردنا لقصتنا، لأنفسنا وللعالم، ستحدد الطريق الذي سنسلكه. إذا روينا فقط قصة صراع ويأس، فسيستمر الصراع واليأس في تعريفنا. لكن إذا اخترنا أن نروي قصة الإمكان، والتضامن، والكرامة، فإننا نفتح الباب نحو مستقبل مختلف. وعند هذا المفترق، الخيار بأيدينا. يمكننا أن نسلك طريق التشرذم، وانعدام الثقة، والصمت، أو أن نختار التعاون، والصلابة، والحوار. لقد كان الشرق الأوسط دائمًا أرض عبور — للثقافات، والأفكار، والأديان. فلنحرص على أن تقودنا هذه المعابر اليوم لا إلى المواجهة، بل إلى السلام؛ لا إلى اليأس، بل إلى الكرامة؛ لا إلى الانقسام، بل إلى مستقبل مشترك ومزدهر. وكما قال نيلسون مانديلا ذات مرة: "الشجاعة ليست غياب الخوف،بل هي أن تلهم الآخرين لتجاوز الخوف" وهذه الشجاعة يجب أن توجهنا الآن، كقادة ومواطنين".
وختم: "التاريخ يراقبنا. والأجيال القادمة تنصت إلينا. فلتكن أفعالنا، لا أقوالنا فقط، هي من تقود الشرق الأوسط نحو طريق السلام، والعدالة، وازدهار الإنسان".
ثم توجّه النائب نعمت افرام بكلمة إلى المشاركين تمحورت حول عنوان "الشرق الأوسط عند مفترق طرق نحو شكل جديد للأرض والهويّة"، فانطلق بعرض حول "الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة الّتي يمرّ بها الشرق الأوسط"، شارحًا "أبرز الأسباب الّتي أدّت إلى تدهور الواقع المعيشي في المنطقة ما فرض تحدّيات وضغوط يوميّة جمّة".
كما عبّر افرام عن "آلام أبناء الشرق الأوسط والمصاعب الّتي يواجهونها"، رافعًا مطالبهم وحاجاتهم الطارئة. وقال:"إنّنا على وشك تحوّل هائل، عادة ما يكون مؤلمًا. علينا أن ندعو الله أن يُحوّل هذا الألم إلى أمل جديد"، مشدّدًا على أنّ "الألم لن يؤدّي إلى أي تغيير".