Search
Close this search box.

مسار السلام : حتمية لن ترحم …. وحقائق للتاريخ

000_33ZM3C7

ما تشهده المنطقة اليوم من صراعات بدءاً من قطاع غزة وليس انتهاءً بالتوترات والهجمات المتنقّلة بين الأميركيين والبريطانيين والحوثيين والحشد العراقي وميليشيات إيران وﻻ سيما حزب الله في لبنان، لا يمكن فصله عن سياقه الجيو سياسي وتشابك المصالح اﻻستراتيجية للاعبين الإقليميين والدوليين في هذه البقعة من العالم.

مرحلة جديدة من الحسابات الإقليمية

دعونا في هذا السياق نضع أمام القارىء الحقائق الآتية :

أولاً : التغييرات التي حصلت على مستوى قيادات أساسية في المنطقة ولا سيما في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أطلقت مرحلة جديدة من الحسابات الإقليمية، فعلى رأس السعودية وصل القائد الشاب الأمير محمد بن سلمان، وعلى رأس الإمارات الشيخ المخضرم محمد بن زايد، ومعهما بدأ وجه الشرق الأوسط يتبدّل من خلال نهج عقلاني انفتاحي حواري قطعَ مع الماضي وأطلقَ مسيرةً خليجيةً عربيةً مبنيّة على الواقعية السياسية والمصالح المشتركة

تحالفات ومساعٍ لتأسيس ” ناتو شرق أوسطي”

المملكة العربية السعودية إنفتحت على العالم انطلاقاً من القيادة الجديدة، فانطلقت ورش فتح معامل وإنتاج سيارات وإطلاق السياحة وتنظيم الحفلات العالمية والعربية وتشجيع الفنون والفنانين وإطلاق الحياة الثقافية، فيما تمّ تحييد المتشدّدين فتغير النظام وبدأت السعودية تؤسس لمشروع جديد رؤيوي مستقبلي منافس على مستوى عالمي وليس فقط إقليمي.
وهنا عند هذه النقطة، تدخّلَ الأميركي وطلبَ من الرياض التحالف مع إسرائيل من خلال تأسيس “ناتو شرق أوسطي” يتـألف من جيوش إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات وجيوشٍ عربية أخرى لتشكيل قوة شرق أوسطية ضاربة ومتعاونة انطلاقاً من قيادة إقليمية عسكرية للحلفاء تـأسست في مناطق خليجية.

العودة الى سياسة ” صفر مشاكل”

ثانياً : في هذه الأثناء “تركيا رجب طبي اردوغان” فشلت في مصر وفشلت في الحفاظ على كامل نفوذها في ليبيا على خلفية صراعٍ اقتصادي ضارٍ على الطاقة من غاز ونفط وثروات هائلة، ما أجبر القيادة التركية وبعدما إعتبرت أنها قادرة على استغلال الضعف العربي الذي تجلّى غداة الربيع العربي والزعزعة التي عاشتها الأنظمة في المنطقة في حينه، عادت تلك القيادة وأدركت مع فشل هذا الربيع العربي أن ﻻ محال من التعاون مع الأنظمة العربية، فشعار رابعة لم يفلح في منع سقوط حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي ولم يحمِ حلفاء تركيا في ليبيا في محافظتهم على مكتسباتهم ومواقعهم المتقدّمة، فكان القرار التركي بالعودة الى سياسة “صفر مشاكل” مع الجوار، فكان اﻻنفتاح التركي على دولة الإمارات ومن ثم المملكة العربية السعودية في مقابل مليارات، وصولاً الى الرئيس محمد عبد الفتاح السيسي ومصر مؤخراً.

الأسد ساهم بتمكين الإيرانيين من الاستيلاء على ثروات سوريا

ثالثاً : في سوريا بشار الأسد، رئيس النظام الذي كان وﻻ يزال أضعف من أن يقرّر مصيره بدل مصير سوريا، فعندما وصلت الموجة الانفتاحية اليه كان مكبّلاً ( ولا يزال ) لأن الأميركيين كانوا قد طلبوا منه مغادرة السلطة، فلجأ الأسد الى دولة الإمارات التي استقبلته وطلبت منه طرد الإيرانيين من سوريا، في مقابل الضغط على الأتراك لتسليمه الشمال السوري وبقائه الى فترة جيدة في السلطة.
بشار الأسد أجاب بوضوح بإعلان عجزه عن طرد الإيراني من سوريا، وقد سيطر على كافة مفاصل الدولة السورية وساهم هو نفسه في تمكين الإيرانيين من اﻻستيلاء على ثروات الشعب السوري
من هنا، سلّم الأسد مصير الوجود الإيراني الى الإسرائيلي الذي استباح سماء ومدن سوريا ومطاراتها ومراكز ميليشياتها في سوريا بين حلب والشام والمزّة وسواها.
وهذا الخيار الأسدي بإضعاف الوجود الإيراني في سوريا من خلال سواه يُعتبرُ آخر ملاذ له قبل التقسيم الذي بدروه لن يكون سهلاً أبداً بحسب المعطيات الديبلوماسية والسياسية الدولية والإقليمية.

إتفاقات مدمِّرة للشعب السوري

عندما زار الرئيس اﻻيراني ابراهيم رئيسي سوريا سحبت إيران من بشار الأسد كافة المرافق والمؤانىء والثروات الاقتصادية والإنتاجية السورية من أعماق بشار الأسد طائعاً خانعاً خاضعاً راكعاً، وشملت “البلطجة الإيرانية” في السيطرة على البترول وسكك الحديد والمطارات ومشاريع إعمار سوريا والزراعة والمشاريع التنموية والكهرباء وسواها من قطاعات، كلها سُلّمت خطياً باتفاقات مدمِّرة للنظام السوري بحيث لم يبقَ للشعب السوري شيء يستطيع البناء عليه لإعادة إعمار سوريا.
أما روسيا من جهتها فاكتفت بمكتسبات استراتيجية في سوريا وهي في مكان ما لا تعارض سحب الإيراني من سوريا الذي بات في مراحل متقدّمة بعد انتهاء الحرب في سوريا بمثابة منافس لموسكو لم يرُقْ للروس رؤيته يتقاسم مغانم ومواقع ويتحكّم خصوصاً بالقرار السوري.

النصر الدبلوماسي والتبَعية لنظام الملالي

رابعاً : الدول المحورية الثلاث في المنطقة باتت أمام ساعة الحقيقة : الإيراني فشل أو على طريق الفشل، والأتراك فشلوا في مشروعهم الأساسي الإسلاموي وعادوا الى نهج العلاقات مع الأنظمة العربية وسلّمَ أوراقه، أما الاتفاق السعودي- الإيراني الذي حصل برعاية صينية فقد هدفَ في بند أساسي من بنوده الى تأمين خروج الميليشيات الإيرانية ورفع طهران يدها عن الميليشيات الإيرانية التي تسيطر على دول عربية.
يومها وافقت إيران واعتُبر ذلك نصراً ديبلوماسياً للسعوديين وإقراراً إيرانياً بتبعية تلك الميليشيات لها، إﻻ أن طهران لم تلبث بعد أشهر أن تراجعت عن تعهّدها بحجة أن ليس لإيران ميليشيات في المنطقة.
القيادة السعودية تلقّفت هذا الموقف الذي في الحقيقة لم يكن مفاجئاً لأحد، فقرّرت الرياض الدخول في حلف شرق أوسطي جديد بمقاربة وجهات نظر الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين والإماراتيين، فيما الإمارات كانت السبّاقة باﻻنخراط في هذا الجو الجديد وتمكّنت من اﻻنفتاح على إسرائيل مع شرط العمل على تحقيق حل الدولتين الذي أكد السعوديون عليه منذ البداية، وطرحت الرياض بدورها حل الدولتين فكان التوجّه الحتمي نحو إسرائيل لإبرام سلام معها مقابل هذا الحل، وقد كان الأمر قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقّق خصوصاً بعد تطبيع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

حل الدولتين يُفقد إيران مبرّر وجودها في المنطقة

خامساً : شعرت طهران بأن البساط الفلسطيني ينزلق من تحت قدميها إذ من الطبيعي أنه إذا حُلّت القضية الفلسطينية وحصلَ سلام وإقامة دولتين ستفقد الثورة الإيرانية في المنطقة مبرّرات وجودها، فالقدس مادة دسمة لجذب شعوب المنطقة وطهران تعرف من أين تؤكل الكتف…ولكن الى حين….

عندما سحبت إيران يدها من عملية ” طوفان الأقصى”

توتير الجبهات وفق أنماط مضبوطة

إنفجرت صبيحة ٧ تشرين الأول عملية “طوفان الأقصى” فتنفّست طهران الصعداء لأيام ظنّاً منها أن العملية محدودة و موضعية الى أن أيقنت بأن حماس والجهاد الإسلامي ذهبا أبعد مما هو مرسوم، فتدخّلت القيادة الإيرانية وضغطت على رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ساحبةً يدها من العملية لأن النظام الإيراني الذي يُحسِنُ اللعب على حافة الهاوية والضغط من أجل الحصول على المكاسب لم ترُقْ له أن يتورّط مباشرةً في مواجهة لم يردها بحجم كبير، خصوصاً مع تدخّل الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو مباشرةً في المنطقة، إذ كل ما يهمّ هذا النظام من دعمه الميليشيات الإيرانية في فلسطين هو المتاجرة بالقضية على ظهر الفلسطينيين كما المتاجرة بالقضية الفلسطينية على ظهر السوري واللبناني واليمني والعراقي.
حماس بقيت وحدها في الميدان، فشعر محور الممانعة بالحرج الكبير من عدم التدخّل لأن الجماهير الداعمة للمقاومة والممانعة لا سيما في دول الطوق كلبنان وسوريا لن تغفر لحزب الله والخليط الميليشياوي الإقليمي من فاطميين وزينبيين وحشد وحوثيين بقاءهم على الحياد، فيما القضية الدسِمة (القدس) مشتعلة …
فكانت اتصاﻻت ومباحثات وصيغ توصّلَ اليها الإيرانيون مع حزب الله اللبناني ومع الحوثيين في اليمن والحشد في العراق لتوتير الجبهات مع إسرائيل في جنوب لبنان وعلى القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا وعلى السفن والممرات المائية في باب المندب وفق أنماط مضبوطة و”مدوزنة” .
القضية الفلسطينية أصبحت الضحية الأولى لأن اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل توقّفت وحل الدولتين بات بعيد المنال مجدّداً فنجحت إيران في وقف التطبيع على دماء ودمار قطاع غزة بأكمله،
فالممانعة والمقاومة وكل الشعارات المشابهة والمحور برمّته ليسوا سوى شعارات وجماعات يُمسِكُ الإيراني جهاز التحكّم بها، وقد هال إيران أن يؤدي “طوفان الأقصى” الى إسقاط رهاناتها على صفقات وتسويات البيع والشراء الإقليمي التي تضمن نظامها واستمراريته.
إيران تراهن دائماً على جهل وعاطفية قسم من شعوب المنطقة وعلى ميليشياتها وبيئات إجتماعية مخدَّرة مذهبياً ومستعدة للموت من أجلها وبإسمها تعطيها أموالاً وتستغل جوعها وتراجع وضعها اﻻقتصادي فتتركهم للموت خدمةً لمصالح نظام الملالي في طهران .

سلامٌ حتمي آتٍ بحكم التنمية والتطوير في المنطقة

سادساً : تبيّن مع الوقت أن طوفان الأقصى تحوّل الى حرب عبثية، وقد بدأت بنجاح موضعي وليس موضوعي ألا أنها تحوّلت وبالاً من الدمار والقتل على الشعب الغزاوي وبناه التحتية والفوقية، وقد رُدِمَ القطاع عن بكرة أبيه، وبات المقاومون محصورين في مثلث مخيف ومرعب جنوب القطاع بين رفح وخان يونس، فيما المفترض أن نكون أمام معركة تحرير نرى فيها الفلسطيني في تل أبيب وليس الإسرائيلي في القطاع بأكمله.
إنها مرحلة مصيرية للمنطقة برمتها … حقائق وحسابات لا ترحم …وسلام حتمي آتٍ، لا محبةً بإسرائيل بل بحكم حتمية التنمية والتطوير ومتطلبات النمو والتقدّم وتحقيق المشاريع التنموية الكبرى لشعوب المنطقة من الخليج الى شمال أفريقيا فأوروبا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: