لروسيا ٣ محاور أساسية في سياساتها الإقليمية :محور روسيا – الصين – إيران في الاستراتيجية الإقليمية العامة، ومحور روسيا – تركيا – إيران في الاستراتيجية الشرق أوسطية، ومحور روسيا – بشار – إيران في استراتيجية سوريا. في كل من هذه المحور أصبحت روسيا في وضع مأزوم، فعلى صعيد المحور الروسي -الصيني- الإيراني جاءت حرب أوكرانيا وتوقّف مفاوضات فيينا ليزرعا الشكوك لدى إيران حول قدرة روسيا على لعب دور ضامن مع الأسرة الدولية لأي اتفاق نووي، فيما الصين حتى الآن لم تعلن إصطفافاً كلياً وفعلياً وعملياً الى جانب حليفها الرئيس بوتين.وعلى صعيد المحور الروسي -التركي -الإيراني أو محور “استانا وتوابعها” أصبحت هذه المنصة بلا فائدة بعدما باتت موسكو محاصرة من الغرب ولا قدرة لتركيا على مؤازرتها وهي المرتبطة بمصالح حلف الناتو والغرب، فيما إيران تبحث عن نهج آخر بعدما أصبح الحليف الروسي “ثقيلاً” عليها وعلى مصالحها .أما على صعيد المحور الروسي -السوري (بشار) إيران، فباتت هذه الأخيرة مكشوفة إسرائيلياً بفعل استمرار التساهل والتغاضي الروسي الى الآن تجاه الغارات العسكرية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، ورغم بعض التوتر أخيراً بين موسكو وتل أبيب على خلفية تصاريح وزير الخارجية الإسرائيلية الذي انتقد غزو الروس لأوكرانيا ما أثار غضباً روسياً يعمل على احتوائه حالياً، فيما بدأ بشار الأسد يُحاصر غربياُ كونه حليف الرئيس الروسي ومستهدف بملفات خطيرة عن الحرب الأهلية في سوريا.
والجدير ذكره في هذا السياق أن أهم ما أنتجته الحرب في أوكرانيا “تكويعة” الأميركيين تجاه المملكة العربية السعودية، والتي ستترجم قريباً بزيارة الرئيس بايدن الى المملكة بعدما أيقنت الإدارة الأميركية العميقة عدم القدرة على التخلي عن منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تُعتبر منطقة نفوذ أميركي بالدرجة الأولى، فالحرب في أوكرانيا أشعرت الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية بمخاطر انسحابها وانكفائها عن ملفات المنطقة الواقعة على تقاطع جوهري بين روسيا والصين وإيران خصوصاً في ظل ردة الفعل السعودية والخليجية بالتخلي عن مراعاة مصالح واشنطن للبحث عن مصالحهم مع الروس والصين، فيما إيران تشكل الهدف الأول والأساسي لدول الخليج، وعلى رأسها المملكة السعودية التي تحاور إيران لاستكشاف مدى استعداد طهران للتجاوب مع صيغة تعايش لا تبدو إيران مستعدة لسداد ثمنها بعد لاسيما وأن مكاسبها من الاتفاق النووي لم تُحدد بعد ومصير فيينا معلق على منحى صراع الجبابرة في أوكرانيا، والذي سيحدد مستقبل النظام الدولي والعلاقات الدولية الجديدة بتوازناتها الناشئة .
“روسيا بوتين” أمام تداعيات كبيرة نتيجة الحرب الأوكرانية، ومن هذه التداعيات ما رشح من كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالأمس من دعوة بعودة الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، والتذكير بالتزام القوى العظمى بحظر التهديد باستخدام السلاح النووي واضعاً معادلة : توقف الغرب عن تسليح الأوكرانيين في مقابل تقصير فترة الحرب والتوصّل الى اتفاق، ما يعني بالمنطق العكسي إقراراً من موسكو بأن التسليح الغربي والأميركي الضخم تحديداً للأوكرانيين بات يؤثر على سير الحرب وقلب الموازين العسكرية لصالح الأوكرانيين،فالمحاور حيث فعالية الدور الروسي مشلولة ومنها ما بات بحكم المنتهي فيما بدأ الغرب وبخاصة الأميركيون البحث عن تأمين كل ما يلزم للأوكرانيين لإنهاك الروس في أوكرانيا وقطف ثمار هذا الإنهاك في سائر الملفات الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية .بالأمس قُصفت “عين الأسد” بصواريخ فيما أعلنت داعش مسؤوليتها ولعل في هذا القصف تحذيراً ايرانياً متجدداً للروس والاميركيين معاً من مغبة بيع إيران في خضم الصراع الدولي القائم .