كتب ريكاردو الشدياق في LebTalks:
أظهرت الـ48 ساعة الأخيرة إلى العلَن ما خُفِيَ في الوجدان اللبناني، وتحديداً المسيحيّ، طيلة المرحلة الماضية التي فرضت ستاتيكو رئاسياً تقليدياً.
أعاد ملفّ انفجار مرفأ بيروت، وتوقيف ويليام نون، شقيق الشهيد دجو نون، شيئاً من الإهتزاز المفقود في نبض الشارع، من جبيل إلى الصيفي، بالتوازي مع حراكٍ كنسيّ غير مألوف سطع في واجهته المطران أنطوان بو نجم، راعي أبرشية أنطلياس المارونية، معاكساً الأداء "المطراني" الماروني المعتاد.
المطران، الذي لم يبلغ عقد انتخابه السنة ونصف السنة، وضع أجندة عمل، روحيّة ووطنيّة، سريعاً، وشكّل فريق عمل شابّ، روحياً وإعلامياً وسياسياً… وهو الأداء الذي تجاوز النشاط المتعارف لمطران، وجعل أكثر من جهة، داخل الكنيسة وخارجها، تعوّل على الرجل الصاعد للعب أدوار مستقبليّة أكبر.
لم يتابع كلّ مَن قرأ البيان، الذي خطّه المطران عقب توقيف نون، قراءةً عاديّة. بيانٌ مُحبَك بمضمونه وعشرات التواقيع التي احتواها، من كهنة ورهبان وراهبات، بدا بمثابة إعلان انتفاضة كنسيّة شاملة، أو قلب طاولة، على أمرٍ واقع سياسي – أمني – قضائي كسر المحظور في ملف انفجار المرفأ، ما فتح الستار على جدار دعمٍ بطريركيّ سيطال ملفّات عدّة في الأيّام القادمة، ترجمها البطريرك بكلامٍ عالي السقف وصل إلى حدّ التحذير من "تفريغ المواقع المسيحية والمارونية في الدولة".
لا يبوح بو نجم بكلّ ما يعرفه وبما يُريد الإقدام عليه. حراكُه اليوميّ إستثناء مقارنةً بمطارنة آخرين، وإدارته لأبرشيّة أنطلياس، الأثقل بشراً وحجراً، يُحتذى بها على مستوى السلطة الكنسيّة المارونية. يُدرك جيّداً كيفيّة السير بين الألغام، ويُتقن فنّ اللحظة المناسبة للدور المناسب. مواقفه واضحة، تحت سقف بكركي، حيال مسائل أساسيّة عدّة، في مطلعها هويّة الثورة التي تمثّله، السلاح الذي حجّم الشرعيّة ودهس الدستور، النظام السياسي اللامركزي، الحضور المسيحي المُهدّد في الدولة، تجديد الدم القيادي لدى المسيحيين، وفي عمق هذه المواقف تأييد عالٍ للمسار الإصلاحي الذي باشرت به الفاتيكان داخل الكنيسة، والذي شمل قرارات وأحكام جازمة في أكثر من قضيّة ضمن سياسة المحاسبة.
تعلم الفاتيكان "العميقة" علم اليقين أساس الأزمة المسيحيّة الواقعة في لبنان. هي تعلم ماهيّة الأزمة وتعلم أيضاً ماهيّة الحلّ وكيفيّة تنفيذه. يحتاج الإحباط المسيحيّ إلى تيارٍ جديد يُعاكسه ويُعلن حالة جديدة. حالةٌ روحيّة – مدنيّة – إعلاميّة – حقوقيّة تعمل في ظلّ قيادةٍ "بيضاء الكف" موثوق بها، لا ملفّات فساد أخلاقي ومالي في ذمّتها وفضائح حولها علامات استفهام، وقادرة على جمع القواعد الحزبيّة المسيحيّة كسراً للتباعد والإنقسام اللّذين تتسبّب بهما طموحات كرسيّ بعبدا والأجندات الخاصّة، فتذهب ضحيّتها
هذه السطور ليست "مدحاً" بمطرانٍ "المستقبل الكبير أمامه"، إنّما لتسليط الإنتباه على نموذج حاضر بقوّة ستُظهر الأحداث القادمة، من ملف انفجار المرفأ "وجرّ"، الوجه الآخر، والمطلوب، لـ"الجيش الأسود"، الذي صمت طويلاً.