كتب أنطوان مراد في صحيفة "نداء الوطن":
وكأن مختلف الاستحقاقات والملفات والقضايا الساخنة بلغت معًا عنق الزجاجة، لدرجة الحيرة حول أي منها يستحق منحه الأولوية، وهل يمكن معالجة مسألة دون أخرى، وجلّها يرتدي طابع الاستعجال على غرار حصرية السلاح وقضية اقتراع غير المقيمين للمقاعد الـ 128، فضلًا عن العناوين الإصلاحية التي ترمي بثقلها على الأوضاع المالية والاقتصادية.
فاستحقاق حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية يقترب من نهاية المهلة التي لحظتها خطة الجيش اللبناني في نهاية العام لاستكمال المهمة، وسط تباينات عدة حول القدرة على التزام المهلة بحد ذاتها، وحول الفارق في مقاربة المسألة بين جنوب الليطاني وشمال الليطاني، وصولًا إلى العنوان الجدلي الأبرز والذي يتخطى البعد المحلي، ويتمثل بارتباط حصر السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلها، واستطرادًا وقف غاراتها الجوية وعملياتها العسكرية في الداخل اللبناني، بحجة مطاردة كوادر وعناصر حزب الله الذين لا يلتزمون بمندرجات اتفاق وقف النار ويسعون إلى إعادة بناء قدراته العسكرية، فضلًا عن عمليات القصف الجوي لمراكز مزعومة لتجميع السلاح والذخائر أو لتصنيع الصواريخ الدقيقة أو للتدريب بمعاونة خبراء إيرانيين.
ولذلك فإن "الحزب" ومن خلفه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا يبدي أي استعداد لتسهيل مهمة الدولة والجيش اللبناني، بداعي الخطر الإسرائيلي القائم والمستمر، علمًا أن"الحزب" وبحسب المعلومات المتوافرة، يراهن على تجديد ترسانته وتعزيزها انطلاقًا من عاملين أساسيين:
الأول، الاعتماد على مواصلة تهريب وتمرير الأسلحة والذخائر ما أمكن عبر الحدود السورية اللبنانية، لا سيما من خلال إغراءات مادية لشبكات التهريب، تدفع أفرادها إلى تخطي اعتبارات عدة لمصلحة الإفادة المالية المباشرة، ويبدو أن شحنات عدة نجحت في العبور، فيما شحنات أخرى تم تعطيلها أو مصادرتها لا سيما من قبل أجهزة الأمن السورية.
والثاني، السعي لتوفير أكبر دعم مالي من الخارج ومن الداخل على السواء، وبخاصة بوجود شركات ومكاتب لتحويل الأموال تعتمد المبالغ النقدية في عملياتها، فمن الخارج يركز «الحزب» على إدخال أكبر كميات ممكنة من الأموال الإيرانية بالدرجة الأولى عبر إمرارها بالحقائب الديبلوماسية أو عبر الزوار الإيرانيين من رسميين وغير رسميين، أو من خلال التهريب وأحيانًا تحت مسميات تجارية وإنسانية عند اكتشاف العمليات.
وترفد هذه الأموال، كميات أخرى تأتي من المغتربات بصفة فردية، تحت عنوان إعادة الإعمار ومساعدة الأهل... أما المصدر الداخلي الآخر، فيأتي من شبكة تجارية واسعة تقدم سلعًا بعضها مهرّب أو توفير خدمات معينة، حيث العاملون فيها موظفون، وأصحاب العمل هم بمنزلة موظفين أعلى رتبة، ما يعني أن الأرباح لا تصب في جيوبهم بل في صناديق المقاومة.
ولذلك، وبحسب معطيات ديبلوماسية، فإن "الحزب" نجح بدرجة معينة في حماية موارده المالية، ما دفع الموفد الأميركي توم برّاك إلى الحديث عن تدفق نحو 60 مليون دولار شهريًا لمصلحة "الحزب" من مكان ما. و"المكان ما" المقصود، لا ينحصر بإيران بل يتوزع على مصادر عدة، سواء من دول عدة في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو من إيران وسواها، فضلًا عن المصادر الداخلية. وتفيد المعطيات بأن هذا الواقع هو الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى فرض مزيد من العقوبات على الشركات والأفراد، مع توسيع مروحتها لتشمل ما يُعتبر شبكات تهريب وتبييض أموال بخاصة في أميركا اللاتينية، علمًا أن الضغط الأميركي العسكري والأمني والمالي على فنزويلا بالدرجة الأولى وعلى كولومبيا يشمل "برذاذه" تلك الشبكات.
وبناء على ما تقدم، تجد الدولة اللبنانية حكمًا وحكومة صعوبات في تنفيذ مهمة حصر السلاح وملحقاته، وإن نجحت في ملاحقة ومكافحة بعض شبكات التهريب وتصنيع الكبتاغون بما يمثله من مورد أساسي. ولكن الرسائل الأميركية باتت واضحة، وهي ضرورة حسم مسألة حصر السلاح سريعًا وتقديم براهين جدية وفعلية تتخطى جنوب الليطاني، علمًا أن فرنسا مددت فترة انتظار إطلاق المؤتمر الأول تحت عنوان دعم الجيش اللبناني، ووضعت على الرف ولو موقتًا مؤتمر دعم الإعمار.
أما المملكة العربية السعودية، فتنتظر إشارات حازمة من السلطة اللبنانية على صعيد استعادة سيادتها على قرارها وأرضها لا سيما من خلال جمع سلاح "الحزب"، وعدا ذلك، لا ينتظرن أحد من المملكة أكثر مما تقدمه حاليًا، لأن لبنان في قراءتها هو المنصة التي تستغلها إيران على صعد عدة، سواء لتصدير الخبرات العسكرية على غرار دعم الحوثيين في اليمن أو توظيف الشبكات الأمنية لاستهداف استقرار دول الخليج كما ثبت مرارًا، أو لجهة إرسال شحنات المواد المخدّرة وفي مقدمها الكبتاغون عبر قنوات عدة في أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وفي رأي ديبلوماسي عربي مخضرم، فإن "الحزب" يلعب أوراقه الأخيرة، معتمدًا على ما يشبه التقيّة من خلال التزام عدم الرد على إسرائيل والانصراف إلى إعادة بناء هيكليته العسكرية، مركّزًا على الوسائل الهجومية الخفيفة حجمًا ووزنًا والأشد فعالية على غرار المسيّرات، والقدرات الصاروخية الأخف والأدق لتسهيل الحركية، وكأنه يعود إلى طابع حركة المقاومة التي تعتمد أسلوب حرب العصابات والمجموعات السريعة الحركة، بعدما تبيّن أن تركيبته الأقرب إلى جيش منظم باءت بالفشل بنسبة كبيرة.
 
															