من خطاب القسم.. إلى خطاب الحسم

JOSEPH AOUN

كتب جو رحال في "نداء الوطن":

في لحظة وطنية فارقة، اختار رئيس الجمهورية جوزاف عون أن لا يكتفي بدور الشاهد، بل أن يكون صانع التحوّل. من على منبر وزارة الدفاع في اليرزة، وفي الذكرى الثمانين لتأسيس الجيش اللبناني في 31 تموز 2025، أطلق الرئيس خطابًا سياديًا صادمًا، جريئًا، حاسمًا، أنهى مرحلة المواربة وفتح أبواب المواجهة السلمية: لا شراكة في السلاح، ولا دولة في ظل دويلة.

لم يكن الخطاب مجرّد عرض عسكري بالكلمات، بل موقفًا مدروسًا حمل إعلان ولادة "جمهورية القرار الواحد والسلاح الواحد". الرئيس الذي لم يُعرف عنه التصعيد الإعلامي، قرّر أن ينطق باسم الشهداء والمؤسسة العسكرية والشعب، واضعًا الجميع أمام مسؤولياتهم: إمّا تحت سقف الدولة… أو خارجها.

"لبنان لا يُحكم بثنائية السلاح، بل بوحدة القرار"، قالها الرئيس عون بنبرة لا تقبل التأويل، مؤكدًا أن:

"الجيش وحده هو من يحمي، لا من يُغطي".

في خطاب اليرزة، كشف الرئيس، وللمرة الأولى، عن مضمون الرد اللبناني على ورقة المبعوث الأميركي الخاص توم براك الذي يقضي بانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق سراح أسرى لبنانيين، مقابل التزام رسمي بحصرية السلاح وتطبيق القرار 1701. موقفه لم يكن مناورًا، بل دعوة صريحة لانخراط داخلي في تسوية تكرّس سيادة لبنان وتحمي أمنه، من دون أن تبقى الدولة رهينة شروط أي سلاح موازٍ.

عون، بنبرة القائد لا المتفرج، وجّه رسالة ثلاثية الأبعاد للداخل والخارج:

السيادة ليست ورقة تفاوض، بل أساس الكيان.

الجيش هو السقف الأعلى للحماية، لا الغطاء لأي سلاح خارج الشرعية.

لن يكون هناك استقرار من دون قرار موحّد، وسلاح واحد، ومرجعية واحدة.

وقالها بوضوح غير مسبوق: "كفى تسويات. كفى سلاحًا يعلو على سلاح الدولة. وكفى انتظارًا على حافة الانهيار".

الرئيس لم يسمّ خصمًا، لكنه سمّى المعركة. لم يطلب دعمًا من أحد، بل فرض موقعه ومشروعه كرئيس قرار، لا كرئيس إجراء. ومع هذا الموقف الحاسم، تبدو البلاد أمام مشهد جديد: ما بعد خطاب اليرزة لن يشبه ما قبله. السلطة قرّرت أن تحكم… لا أن تُدار.

ورغم أن هذا الخطاب قد يُقرأ من بعض القوى كخطوة تصعيدية، إلا أنه في جوهره محاولة جريئة لاستعادة القرار الوطني المسلوب، وتأكيد دور الدولة كمرجعية وحيدة في الأمن والسيادة. الخطاب، بهذا المعنى، لا يستهدف طرفًا بعينه، بل يفتح الباب أمام تسوية داخلية شاملة لا تقوم على موازين القوة، بل على مبدأ الاحتكام للدستور.

سياسيًا، أثار الخطاب ردود فعل متباينة: فرحّبت به جهات سيادية وكتل نيابية معارضة لـ "حزب الله"، معتبرة أنه "أول خطاب رئاسي منذ سنوات يضع الإصبع على الجرح". في المقابل، بعد الخطاب زار محمد رعد بعبدا هل نحن أمام تحول استراتيجي نحو لبنان الواحد هل استدرك "حزب الله" الفرصة لا سيما مع التلميح إلى معادلة "سلاح واحد وقرار واحد"، أو أن المواجهة ستكون سياسية أولًا، وربما مؤسساتية لاحقًا.

إقليميًا، لم يأتِ خطاب عون في فراغ. بل تزامن مع لحظة تحوّل استراتيجي يشهدها الشرق الأوسط: من استئناف الاتصالات السورية – العربية، إلى التبدلات في الموقف الأميركي – الإيراني، وصولًا إلى التوتر الأمني المستمر في جنوب لبنان. في هذا السياق، يبدو أن عون قرأ التوقيت جيّدًا، فبادر إلى تثبيت موقع لبنان السيادي، محذرًا من أن التأخير قد يكلّف البلد موقعه ومصيره.

وعلى الأرض، لم يكن تأثير الخطاب رمزيًا فحسب، بل تحوّل سريعًا إلى ترند على منصات التواصل، حيث اجتاح وسم #خطاب_اليرزة مواقع لبنانية، وتداول آلاف الناشطين مقتطفاته، معتبرين أنه عبّر عمّا يريده الناس منذ سنوات: رئيس لا يساير… بل يقود. لا يختبئ خلف التسويات… بل يُعلن انطلاق الدولة من جديد.

من اليرزة، بدأ التأسيس الحقيقي للجمهورية: جمهورية لا تُبنى على السلاح… بل يُبنى فيها السلاح للدولة وحدها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: