الى أبعد من شريعة وقانون روحي، يتجدّد من وقت الى آخر، الجدل البيزنطي حول أحقية عقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية، في الوقت الذي يُصنّف فيه لبنان من ضمن قائمة الدول الأكثر تسجيلاً للزيجات المعقودة خارج أراضيه وقوانينه.وما أعاد هذا الموضوع الى دائرة الجدل العقيم هو تصريح ثلاثة من النواب التغييرين من الطائفة السنّية تحديداً في حلقة تلفزيونية، عن تأييدهم لعقد الزواج المدني في لبنان، وإن كان هذا التأييد أتى في سياق الحديث عن ضرورة توحيد قانون الأحوال الشخصية بشكل عام.في السرد التاريخي لهذه المشكلة القديمة- الجديدة، يُسجل للوزير الراحل ريمون إده تبنّي طرح الزواج المدني للمرة الأولى في لبنان في العام ١٩٥٧، لحِقه جملة إقتراحات لمشاريع قوانين ومبادرات ومذكرة تتعلق بالأحوال الشخصية سُجّلت في مجلس النواب.رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي تُسجّل له أيضاً إندفاعة في هذا الإتجاه من خلال طرح اقتراح قانون الزواج المدني على طاولة مجلس الوزراء ونال حينها تأييد ٢٠ وزيراً ومعارضة ٩ وزراء وورقة بيضاء، لكن مشروع القانون هذا لم تتم إحالته على مجلس النواب بحجة أن ” الوقت مش مناسب”.ومع فتح هذا الملف ثم طيه الى حين، يُسجل أيضاً لوزير الداخلية الأسبق زياد بارود محاولة فتح كوّة في الجدار من خلال إصدار تعميم في العام ٢٠١١ سمح بشطب المذهب عن سجّل القيود، وفقاً لما لرأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل الصادر تحت الرقم ٢٧٦/٢٠٠٧، والذي نص على “حق كل مواطن بعدم التصريح عن القيد الطائفي في سجلات الأحوال الشخصية أو شطب هذا القيد”، ما أتاح تنظيم وتسجيل عقود زواج مدني على الأراضي اللبنانية لأول مرة أمام الكاتب العدل ورئيس مجلس الكتّاب العدل آنذاك جوزف بشارة في العام ٢٠١٣.أما وزير الداخلية الأسبق مروان شربل فيُعتبر أول وزير لبناني يطبق القانون ويعطي الحق بالزواج المدني، وجملته الشهيرة لا تزال راسخة لدى البعض عندما قال ” زوّجنا ٢٦ مواطناً ومواطنة (١٣ ثنائي) إحتكاماً الى النصوص القانونية، وقراري هذا نابع عن قناعة”.الوزير نهاد المشنوق، ومع توليه وزارة الداخلية، أوصد الباب أمام الراغبين بعقد زواجهم المدني على أرض وطنهم، عندما قال لهم ” قبرص مش بعيدة”، أما الوزيرة ريا الحسن، فتراجعت أمام حملة الضغوط التي تعرّضت لها عندما أعلنت تأييدها للمشروع، وسكتت عن ” الكلام المُباح”.في لبنان، التوقيت غير مناسب دائماً لأحد الطروحات التي تشكل مدماكاً رئيساً في أسس الدولة العلمانية الحديثة وثوابتها، فهل سنشهد يوماً تلاشي إستئثار الطوائف ال١٨ لنطاق الأحوال الشخصية؟ وهل سيخرج لبنان من حال ” الإنفصام الموصوف” حين يرفض عقد زواج مدني على أرضه، لكنه يُسجل في الدوائر المختصة مع كل مفاعيله اللاحقة؟ والأدهى ماذا عن ثنائي يعقد زواجه في الخارج، ثم في حال فضّ النزاع بينهما إن حصل، يقف أمام القاضي المدني في لبنان الذي يحكم بإسم الشعب اللبناني، سنداً الى قانون الدولة التي عُقد فيها الزواج؟…إنه الإنفصام بحد ذاته.
