قد يكون ما طلبه الفنان المصري عمر دياب من الصحافيين الذين تمت دعوتهم لحضور حفله في بيروت بالأمس، مثيراً للإستهجان لدى البعض الذي انتفض لاحقاً، ولكنه لا يخرج عن سياق "المزاج" الفني لدى الفنان الذي أشعل وسط بيروت بالموسيقى والفرح بعدما كانت المدينة تغرق بالظلام والعتمة منذ سنوات بسبب ثقافة الممانعة والموت التي أرادت تحويل الشعب الذي يحب الحياة إلى شعب "الثلاثية" الغارق في الإنهيار والفقر والحرمان بينما طرف وحيد في هذه الثلاثية يتنعم بالسلطة والمال ويسيطر على القرار ويفرض قيوده وثقافته "الغريبة" على الإعلام وعلى المناطق التي يسعى لتحويلها إلى "غزة ثانية".
مهلاً .. كان من المفروض على الصحافي الذي وقع على التعهد ان يرفض ويغادر الحفلة إذا كانت الشركة المنظمة قد تعرضت لكرامته، ولكن لم نسمع أن أحداً اعترض علناً بل هؤلاء أوحوا لآخرين بالإعتراض بينما المسؤولية تقع عليهم في التحريض من جهة والموافقة والرضى عن "التعهد" من جهة أخرى.
آلاف المواطنين الذين أرادوا الإحتفال وأخذ استراحة من الواقع الصعب والميؤوس منه ومن ظلم السلطة التي سرقت أموالهم وجنى عمرهم، هم اليوم موضع انتقاد ويتعرضون لحملات قاسية على مواقع التواصل الإجتماعي. ولكن هل قرار الفرح جريمة اليوم في لبنان؟ بعض الذين اشتروا بطاقات حفلة دياب في السوق السوداء ، ليسوا مجرمين أو مرتكبين أو فاسدين، بل هم شباب اراد الإحتفال فقط ومنهم من يمضي إجازة الصيف في لبنان بعد سنة من التعب والعمل الشاق من أجل تأمين استمرار ية عائلته في لبنان، ومنهم من حرم نفسه على مدي أسابيع من أجل جمع ثمن بطاقة الحضور، ومنهم من أراد أن يعود صوت الموسيقى إلى قلب بيروت، وهو نفسه من بكى بيروت عند انفجار المرفأ ونزل إلى الشارع لنزع الركام ودعم أهلها في مصابهم.
قد يكون بين الحضور "أغنياء جدد" استغلوا الإنهيار واحتكروا الدواء والغذاء والفيول وتاجروا بالشيكات المصرفية وبالمياه والكهرباء وهم كلهم معروفون.
ولكن الشباب الذي ليس الأبيض وهو لون السلام والحياة وغنى ورقص مهما كان الثمن، هو خارج أي اتهام ، لأن لكل مقام مقال، والحرية الشخصية للمواطن الذي لم يعد يملك ثمن تذكرة السفر رغم ملايينه المحتجزة في المصرف والتي ضاعت منذ سنوات ، يملك حق نسيان مصيبته لساعات والشعور بأنه في بلد آخر ليعود بعدها إلى الواقع وإلى الظلم الذي يواجهه في كل لحظة على الطرقات أو في منزله جراء سقوط الدولة وسيطرة مشروع مشبوه على لبنان ومحاولته تدمير اللبنانيين وثقافتهم وحب الحياة لديهم.
