تتوالى الترجيحات بموعد عودة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس المرتقبة إلى لبنان، وما ستحمله السيدة في جعبتها من مواضيع ستبحثها مع القيادة اللبنانية من باب المتابعة.
وإذ يتقلّب الحديث المرافِق بين رضى وعدم رضى الإدارة الأميركية على سير التطورات في لبنان، نرى من الضرورة بمكان أن نشرح للمواطن العادي، وبشكل مبسّط وواضح، ماهية ما يجري، وذلك في إطار المساهمة في إدارة توقعّاته لما يمكن أن يتأتى لاحقاً. وذلك انطلاقاً من فهمنا المتواضع للمشهد البارز أمامنا على الساحة.
في السياسة كما في سائر المجالات الحيوية، ومنها عالم إدارة الشركات، أية خطة كبرى (master plan) لديها جدول زمني مُحدّدةٌ فيه التواريخ أو الأُطر الزمنية المرتقبة لإنجاز الأحداث الهامة (milestones) المُخطّط لها أن تؤدي إلى تحقيق الهدف النهائي للخطة. وطبعاً فإنه يتم التحسّب للانحرافات التي يمكن أن تنشأ في أيٍ من منعطفات مسار الخطة الكبرى، ما يقود إلى تحضير خطط عمل بديلة جاهزة مبنية على محاكاة للظروف الطارئة وتبعاتها.
في موضوع بحثنا، يبدو أولاً من باب الملاحظة أنه نظراً لأن عقلية المسؤولين في الإدارة الأميركية الحالية، من الرئيس دونالد ترامب إلى معاونيه ومعاوني معاونيه الخ، هي عقلية أصحاب ومدراء الشركات الأميركية الكبرى (American corporations)، فإن عامل الوقت في التنفيذ ربما يكتسب أهمية زائدة لديهم في تقييم أداء أي شخص قيّم على تنفيذ خطة أو يمت بصلة إلى انجاز أي جزء منها.
كما يستتبع من هذه العقلية أن المعيار المتحكّم بالرضى وعدم الرضى الى حد الفصل، هو "تسليم النتائج" المطلوبة (to deliver results)، أي تحقيقها من قِبَل الأشخاص الذين يعملون على انجازها على أرض الواقع.
اذا اسقطنا هذه المفاهيم على ما يحدث بيننا وبين السيدة اورتاغوس كممثلة للإدارة الأميركية مُنوط بها الاشراف على تحقيق الشقّ اللبناني من الخطّة الكبرى لبلادها في المنطقة، فإنه بالإمكان تظهير الصورة التالية للمواطن:
1) في الخطة الكبرى للإدارة الأميركية، هناك سلام عام وشامل يجب أن يحلّ في منطقتنا وبسرعة "ترامبية"، شاء من شاء وأبى من أبى حسب ما هو ظاهر.
2) الخطة طبعاً تلحظ مواقيت الانجازات التي يجب أن تتحقّق في الطريق إلى بلوغ ذلك الهدف النهائي.
3) في الجزئية التي تخص لبنان، فإن الإنجاز المطلوب قد حُدّدَ في "اتفاق وقف الأعمال العدائية" أواخر شهر تشرين الثاني ٢٠٢٤ بجعل لبنان برمّته خالياً من أي سلاح خارج نطاق الدولة و سيطرتها.
4) هذا الغرض يشكّل الشرط الذي لا غنى عنه (condition sine quanon) لعملية اعادة الإعمار، اذ تم الإعلان جهارةً ان الولايات المتحدة لن تأذن بها الا عند استيفاء ذلك الشرط. فاذا تم هذا الأمر، ستعمد الإدارة الأميركية لإعطاء الضوء الأخضر للدول والمنظمات الإقليمية والدولية للانخراط في العملية و تمويل الأكلاف الباهظة لورشتها العملاقة و المقدّرة بحوالي ١٥ مليار دولار. خلاف ذلك، ستقبع الأبنية والمنازل والمصالح والبنى التحتية المدمُرة من جراء "حرب الاسناد" بحالتها الركامية كما هي إلى سنين عديدة، وربما الى عقود. وهذا ما لا نتمناه لشركائنا في الوطن، لا بل لنا جميعاً، إذ يُخطئ من يعتقد أن الوضع الاجتماعي-الاقتصادي لأي بلد ليس وحدة مترابطة تتأثر سلباً أو ايجابأً بأوضاع أيٍ من مكوّناتها المناطقية وديناميات الإنتاج والاستهلاك والتعليم والصحة الخ… فيها.
5) لقد سمعنا وأبصرنا ما صرُحت به السيدة أورتاغوس تباعاً في واشنطن و الدوحة، وما قاله الرئيس ترامب في خطابه من على منبر الرياض، بشكّل"تسميعات" ولكن شديدة الوضوح، علُ اللبيب يفهم، أن الوقت قد بدأ يضيق لا بل يكاد ينفذ، لكي يقوم لبنان بتحقيق ما هو مأمول منه. ولقد وصلت الرسائل جليةً بأنه مطروح على لبنان اقتناص فرصة ذهبية ربما لن تتكرر تاريخياً لكي يسترجع سيادة دولته على كامل التراب الوطني، ويستعيد مكانته بين الأمم. عندئذٍ تعود الثقة إلى البلد من قِبَل الخارج والمقيمين والمغتربين و تتوفّر بالتالي الظروف الكفيلة بتدفّق الاستثمارات إليه، فتتحرّك عجلة النهوض باقتصاده وبمستوى معيشة مواطنيه.
6) وفي الظاهر أيضاً أن هذه الشروط مطروحة على أساس مفهوم "خذها أو دعها" (Take it or leave it) الذي يلعب دوراً متأصلاً في مجال التفاوض لدى الولايات المتحدة، لا سيما عند تمتعها بمركز القوّة وتوظيفها له الى أقصى الحدود في خدمة مصالحها.
بناء عليه، فإنه يبدو أن "تمغّط" الهامش الزمني المُعطى للبنان في الخطة الكبرى قد بدأ يقترب من حدّه. فإذا بلغناه ولبنان "لم يسلّم النتائج"، فلن يكون عندها من دواعي العجب اذا نفض العم سام يديه منا و "كوّع" عنا وأعاد ضَبط خطّته الكبرى دون أي التفات إلى مصالحنا التي لا يزال يراعيها لحينه. حينئذٍ سننتهي للأسف على قارعة الطريق من جديد ونصير نعزّي النفس بانتظار قدوم لحظة تاريخية جديدة قد لا تأتي، وان أتت قد نكرّر فيها خطأ عدم اغتنام فرصتها المتاحة لافادة البلاد والعباد.
ان سيناريو كهذا سيحلّ وبالاً على وطننا الحبيب، اذ سيزداد خراب البصرة لدينا خراباً و تتأخّر أجيالنا، المنكوبة أصلاً، في اللحاق بركب الأمم المتحضّرة عقوداً اضافية إلى الوراء، ويزداد الفرقان البغيض بين أبناء الوطن الواحد.