نبيه برّي: هراء فوق بحور دماء أطفال الشيعة

nabih

كتب هشام بو ناصيف:

منذ صرت أباً، باتت حساسيّتي تجاه مآسي الأطفال بالحروب مضاعفة. أعلم أنّني لا أستطيع أن أصف بكلمات ما أشعر به تجاه  الصور المريعة التي أراها منذ 7 اكتوبر الماضي لأطفال اسرائيليّين وفلسطينيّين ولبنانيّين سقطوا بربيع أعمارهم، وتالياً لن أحاول. بالمقابل، يمكن لي بسهولة أن أصف ما تثيره بي التصريحات المتتالية لنبيه برّي في لبنان، وهو القرف التامّ.

قبل أيّام، اقترف برّي تصريحاً عبّر فيه عن “خيبته” من تقصير الدولة تجاه مأساة أهل الجنوب. من يسمعه، يخاله زعيم حزب هامشي معارض، أو مدير منظّمة غير حكوميّة، أو شيء من هذا. يعلم اللبنانيّون طبعا أنّ برّي جاثم فوق صدورهم منذ عقود كزعيم ميليشيا زعران أزقّة روّعوا أهل بيروت بالثمانينات، ولاحقا، كعميل آل الأسد الأوّل بلبنان، ورئيس دائم لمجلس نوّاب، وصاحب كتل وزاريّة ونيابيّة وازنة، وعرّاب الطبقة السياسيّة اللبنانيّة الفاسدة، وكبير كهنتها وسحرتها وعرّافيها. ولو كان بالامكان اختصار (لا) دولة ما بعد الطائف بشخص واحد، لكان هذا الشخص بالتأكيد نبيه برّي. مع ذلك، هو يملك ما يكفي من الوقاحة لانتقاد “الدولة”.

هل “الدولة” فعلا مقصّرة؟ بالحقيقة، هي أكثر من “مقصّرة” وحسب؛ هي بالكاد تكون موجودة. ولأنّها كذلك، تمكّنت جماعة أصوليّة تسلّحها ايران من زجّ أهل الجنوب بمحرقة كان بالامكان تجنّبها، كما تجنّب الجنوب محارق سابقة بين 1949 و1968. ولأنّ الدولة بالكاد موجودة، حصل ذلك دون أن يعمّر أحد ملجأ بالجنوب، أو يضع خطّة طوارئ لاجلاء أهله. المليارات التي نهبتها الطبقة الحاكمة منذ عقود كان يمكن استعمالها لصالح أهل الجنوب بمحنتهم اليوم. هل يعرف برّي المتباكي اليوم على تقصير “الدولة” شيئا عن هذه المليارات؟

أمّا البارحة، فقد طالعنا برّي بنظريّة مفادها أنّ القرار 1559 صار وراءنا، وأنّ المطروح اليوم وحسب هو تطبيق ال1701. الترجمة: يمكن الموافقة على تراجع حزب اللّه عن الحدود مع اسرائيل؛ ولكن لا يمكن الموافقة على تسليم سلاحه للجيش اللبناني. المشكلة هنا متعدّدة الأوجه: أوّلا، بخلاف برّي، اسرائيل لا تمزح عندما يتعلّق الأمر بأمن مواطنيها. وان كان من قرار دوليّ اهتزّ فعلا، فهو الـ1701، لأنّ اسرائيل يئست من تطبيقه ما دام الحزب مسلّحا. تاليا، البديل الوحيد عن تطبيق الـ1559 هو المزيد من خراب لبنان، وأنهار جديدة من دماء الشيعة تسير فيه. هذا واضح للجميع؛ وما هو واضح أكثر أنّ هذا لن يفقد برّي ليلة نوم واحدة هانئة بقصره. ثانياً وأساساً، الـ1701 نصّ بالحرف على وجوب “سيطرة الحكومة اللبنانيّة على جميع الأراضي اللبنانيّة وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرار 1559 والقرار1680 لعام 2006”. بهذا المعنى، صياغة القرارين الدوليّين لعلّها مختلفة؛ ولكنّ جوهرهما واحد. ثالثاً، لا يوجد شيء بالقانون الدولي العام مفاده أنّ قرارا لم يطبّق بعد لمجلس الأمن “صار وراءنا”. هل يظنّ برّي أنّه يستطيع تحويل مندرجات السياسة الدوليّة، ومنها قرارات مجلس الأمن الى خرقة ورق، كما الدستور اللبناني بعهده المديد؟

منذ أيّام، أراقب باشمئزاز ما يقول هذا الرجل. وأراقب باشمئزاز أكبر تصريحات مراهنين على دور مفترض له انقاذي باللحظة الحاليّة. نعم، برّي يكره نصراللّه الذي خطف منه زعامة الشيعة. ولكنّه لا يزال مرعوبا منه، ولو جثّة هامدة، عدا طبعا أنّ “دهاء” برّي المفترض، و”حنكته” السياسيّة، ليس أكثر من تشاطر زجّال لبناني، يلمع عندما يكون محاطا بزجّالين مثله. أمّا عندما تأتي ساعة المأساة، والجدّ، فليس عند برّي ليقدّم غير ما قدّمه الى الساعة: هراء فوق بحور دماء أطفال الشيعة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: