دعا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى، الى "العمل على وأد الفتنة التي تحاك بين الطائفتين الدرزية والسنية، والى حوار عقلاني يبدد الهواجس ويطمئن ابناء السويداء، محملا الدولة السورية المسؤولية الاولى عما جرى وتالياً في احتواء الموقف وتوفير الاستقرار".
كلام شيخ العقل جاء خلال مقابلة مع "قناة المشهد" من دبي، استهلها بالقول: "اشعر بكثير من الأسى والحزن لما وصلت اليه الامور في السويداء في جبل العرب، هذا الجبل الأشم الذي كان تاريخه دائما ناصعا بالوطنية وبالعروبة وبالوحدة الوطنية وبالدعوة الى التمسك بالقيم وبمكارم الأخلاق، هذا الجبل جبل سلطان باشا الأطرش وجبل الموحدين وجبل العيش المشترك، أن يصاب بهذا الجرح العميق، فهذه طبعا مدعاة حزن وألم كبير،. وعليه فان الوضع وصل الى حد المأساة، لما ارتكب من انتهاكات ومن اعتداءات على ابناء الجبل".
اضاف: "وابناء الجبل في أرضهم، في جبلهم، في سويدائهم الغالية، لم يذهبوا الى مكان اخر ليقاتلوا وليعتدوا على الناس، ولم يذهبوا لا الى دير الزور ولا الى الحسكة ولا الى درعا ولا الى اي مكان اخر من هذه الاماكن. هم في جبلهم يريدون ان يعيشوا بكرامة وان يعيشوا بامان ويشاركوا في بناء دولتهم. والذي حصل ربما سوء ادارة للوصول الى اتفاق، وربما عدم قدره على التفاهم، ربما بعض العنفوان الزائد والكثير من التحدي. هذا ما اوصل الى الدم والى سقوط الاف القتلى والى انتهاكات يندى لها جبين الانسانيه. ما حصل مشين ومهين وسيترك جرحاً عميقا يحتاج الى كثير من العناية والى العمل الجدي والحكمة وتسخير العلاقات الطيبة مع اهل الحكمة والعقل واهل المنطق والقيم العربية الاصيلة، لكي نرمّم ما حصل.
لقد جرى اتفاق مؤخراً، وهذا الاتفاق هو ما كنا نتمنى ان يحصل قبل ان تسقط الضحايا، كنا نتمنى حصوله لكي يكون دخول الامن الى المدينة على تفاهم وطمأنة للناس. إن هذا الامن هو أمنهم، هذه الدولة هي دولتهم لكن بعض المتخوفين والمتوجسين مما كان يحصل على الارض السوريه اثار المخاوف فكان لا بدّ من اتفاق على طريقة الدخول وكيفية انخراط شباب الامن في الجبل الذين كانوا يدافعون عنه ويحفظون أمنه، كي ينخرطوا في الأمن العام وفي الدوله وأن تكون هناك شراكة ويكون هناك اندماج ولكن هذا لم يحصل".
وتابع: لا بدّ من التفكير بالأسباب والموانع التي منعت حصول مثل هذا الاتفاق، وهل ممكن ان نتدارك هذا الأمر مستقبلاً بعد أن دفعنا ما دفعناه من ثمن باهض! هذا هو السؤال؟. هناك مسؤولية تقع على عاتق الجميع واريد الا يجتزأ كلامي كما اجتزئ بالأمس. الدوله تتحمل المسؤولية بالدرجة الاولى، فهي الراعية والحاضنة لابنائها، هي التي يجب أن تسعى الى صياغة عقد اجتماعي بين جميع ابنائها وبرعايتها. لم يحصل هذا الامر! وانا قلت ان الشيخ (حكمت) الهجري يتحمل جزءا من المسؤولية، كونه موجوداً على الارض، ولكنه ورفاقه كانوا في حالة دفاع عن النفس ولم يكونوا في حالة هجوم ابداً. هم ضنينون بأرضهم وبجبلهم الذي عاش اباؤهم واجدادهم فيه منذ مئات السنين ودفعوا الغالي والنفيس من أجل كرامته وعزته ووحدته مع سوريا، لكنهم فوجئوا، عندما دخلت القوى الأمنية والجيش، وبعد أن حصل الانسحاب انكشفت المشهدية على مجازر ضخمه في البيوت، من حرق واعتداء على الكرامات وعلى الرموز وتنكيل بالجثث والى ما هنالك من أمور. ربما في هذه اللحظة حصلت بعض ردات الفعل تجاه البدو، لكنني لست متأكّداً ممّا حصل، لأن الذين تواصلت معهم ينفون مشاهد الذبح التي قال لي عنها بعض الأخوة في العشائر والتي أثارت حفيظة العشائر العربية فأطلقوا النفير ليأتي أبناء العشائر من هنا وهناك وكأنهم قادمون لتحرير فلسطين وللدفاع عن غزة".
ونفى الشيخ ابي المنى ما قاله احد ابناء العشائر عن اعدام اشخاص من البدو في مضافة الشيخ الهجري، قائلا: "لم يحصل الامر ولم اسمع به اطلاقا ورغم اتصالي مع مشايخ العقل والشيخ حكمت تحديدا ومع من هم بالقرب منه، هذا الامر لم يحصل ابدا، وانا طالبتهم، هل من الجائز ان يقتل الاطفال البدو فهم نفوا هذا الامر فكيف يذبحون إذا شيوخ العشائر في مضافاتهم؟! هذه ليست من عادة الدروز ابدا، ولا من تقاليدنا وعاداتنا. بل عاداتنا اغاثه الملهوف، وتعلمون ان سلطان باشا ثار عندما قُبض على ادهم خنجر في بلدته القرية عندما كان مستجيرا به، ودفع الاف الشهداء في سبيل استقلال سوريا. هذه ليست من عادة الدروز ان يغدروا بضيفهم ابدا. هذا الامر انفيه وهو يدل على ان هناك اخبارا كاذبة يتم الاخذ بها. كما يثبت ان القول عن ذبح الاطفال البدو ايضا غير صحيح، كما حدث منذ فترة في عملية التسجيل الذي يظهر فيه شيخ من الموحدين يسب النبي عليه الصلاه والسلام! أعوذ بالله هذا شيء لم يحصل، ولكن كان تسجيلاً مركّباً وهذا التسجيل ادى الى مقتل اكثر من 120 شخصاً في صحنايا الاشرفيه.
ربما بعض الامور تضخمت، وهناك اثباتات وتوثيق لما حصل وشهود، وقد حصل الاعتداء على كرامات الشيوخ واذلالهم وخلع صور المشايخ، والدوس عليها وعلى صوره سلطان باشا الاطرش، الذي له فضل على كل سوريا. هذا يدل ان هناك حقن وتوجيه، واخشى ما اخشاه ان يكون الأمن العام الذي نريده ان يكون لكل سوريا وان يطمئن السوريين، يتسلل تحت عباءته متطرفون. هناك بعض المشاهد تدل انهم يحملون في قلوبهم ضغينه وحقد".
وعن وجود دواعش في الدولة السورية، قال: "السؤال برسم الدولة السورية ولست انا من اجيب عليه، وهذا ما يتناقله الناس ان هناك من جاء في ثياب الأمن العام وكأنهم في الأمن العام ولكن في داخلهم هناك أحقاد عشائريه وتكفيريه وتطرف وكراهية. هذا الامر برسم الدولة! الدولة فتية وعلينا كلنا ان نشدّ أزرها لكي تنهض وتثبت جدارتها، ونحن كنا اول الزائرين الى قصر الشعب برفقة الزعيم وليد بيك جنبلاط، الذي اختار ان يكون اول اللبنانيين الذين يضعون يدهم بيد الرئيس احمد الشرع، لماذا؟ لكي نفتح الطريق امام هذه الدولة، لكي تثبت وطنيتها وجدارتها وقدرتها على استيعاب الشعب السوري الذي عانى الأمرّين لعقود طويلة".
وعن النكبات المتكررة في كل جيل، قال: "ربما ان الموحدين الدروز لشدة تعلقهم بأرضهم وبعرضهم وبفرضهم هذه الثلاثيه التي دائما نكرّرها، الارض والعرض والفرض، اي الدين، هذه ثلاثية يتمسكون بها وربما ذلك يجلب عليهم المواجهة من اجل الدفاع. اذا استعرضت التاريخ، لم يكونوا يوما معتدين او مهاجمين لاغتصاب أرض أو للسيطرة على شعب معين، دائما كانوا مدافعين عن أرضهم والحمد لله ثبتوا فيها منذ مئات السنين. فمنذ 1400 سنه هم قبائل عربية أتت للدفاع عن هذه الثغور المشرقية الاسلامية ودفعوا الثمن في سبيل العروبة والاسلام وعن كل العرب والمسلمين فكيف يحاسبون مرة بعد مرة بمثل هذه الافعال!. والموحدون الدروز وحدهم من كانوا يدفعون الاثمان، وهذه المنطقه معرّضة، هي مهد الديانات وموئل الصراعات والأطماع منذ زمن بعيد، واليوم بوجود دولة صهيونيه وكيان زُرع في هذه الارض وأثار المشاكل وخلق قضية متعلقة بالأرض والواقع".
وعن تحميل المسؤولية للشيخ الهجري قال شيخ العقل: "الشيخ الهجري ومن معه من رجال ومن مشايخ، هم يحملون فكرة الدفاع عن الأرض والّا يسلموا رقابهم لسكين التطرّف، هذا ما كانوا يفكرون به وما قالوه لي بالحرف، إنهم غير مستعدين لأن يسلّموا أنفسهم للتطرّف، لذلك الجواب كان أن على الدولة أن تزيل هذه المخاوف وأن تسعى الى استقطابهم بالحوار والوصول الى اتفاق والى طمأنتهم، وأخذ هذه الهواجس بعين الاعتبار. ربما لم تكن هناك ادارة ووساطة ورعاية كافية. قلت بالامس إن هذه الثوره التي انتصرت والتي كنّا أول من هنأها وفرحنا بانتصارها، لأن أبناء السويداء كانوا منتفضين الى جانب الشيخ الهجري الذي كان منتفضا معهم ضد النظام البائد، وكنا أول من فرح بهذه الدولة، ولكن هذه الدولة لم تستطع ان تبدد الهواجس، بالرغم من هذه الرعاية للثورة لكي وصلت الى ما وصلت اليه بهذه السرعة، فلم تكن هناك رعايه لبناء الدولة ولتنظيم هذه الشراكه الوطنية، وتركت الدوله لتقرر وحدها، فكان هناك حمل ثقيل على هذه الحكومة وعلى هذه الادارة الجديدة، وواجهتها الكثير من التحديات، في كيفيه اقناع الناس. حصل ما حصل في الساحل وفي غير مكان وفي غوطة دمشق صدامات، نتيجة النجاح في طمأنة الناس في بعض الاماكن ياشراكهم في حفظ الامن والاستقرار والبناء".
وردا على سؤال عن مسؤولية الوزير السابق وئام وهاب لجهة التأجيج في السويداء، قال: "كل له طريقته، وانا لا أشك ان هناك غيرة معروفية على الطائفة الدرزية، فمن المعروف ان الدروز يغارون على بعضهم البعض لا اشك بذلك ولكن بالنسبة لي اريد ان اكون اكثر واقعية. والواقعية تقتضي بأن اتعامل مع الواقع بدون طروحات تثير المشاعر وتهيّج الناس، وقد تؤدي الى دفع اثمان باهضة. علينا ان نواجه الامر بحكمة، ولكن اقول ان اغراءات الحماية من اسرائيل حصل منطلقها من مخططات ومن مصالح واطماع لاسرائيل وليست منطلقاتها حرصها على الدروز. الذين تتخلى عنهم بأي لحظة".
واستطرد: "الشيخ الهجري لم يحمل السلاح من أجل اسرائيل، بل من أجل الجبل والحفاظ على كرامة الجبل. واقول أنه من الأفضل الّا نُصغي لهذا الاغراء بأن اسرائيل يمكن أن تحمي الدروز لأنها ستتخلى عنهم لاحقاً. الضربات التي تعرضت لها سوريا والتي اعترضنا عليها وادناها وان كانت قد أدّت الى وقف اعمال معينة ولكن هذه الاعمال عادت وتجددت".
وفي موضوع الوساطة قال: "انا لا ادعي انني املك مفتاح الحل بيدي. هناك مساعي كبيرة طبعاً، قلت بالأمس أن "وليد بك" يسعى ويحاول على أعلى المستويات والعلاقات الدولية لمحاصرة هذه الفتنه ووأدها، وانا اقول ان لدي علاقة مع بعض شيوخ العشائر وهذا شيء طبيعي، وبالامس وأول من أمس زارني شيوخ عشائر من لبنان حيث كنا نخشى ان تنتقل الفتنه الى لبنان، وانا على علاقه طيبة مع شخصيات سنيه ومع صاحب السماحه ومع شيوخ العشائر في سوريا".
وختم: "اليوم في السويداء قتل ابناء عمي وحرقت بيوتهم لكنني اسعى الى ان اصالح والى ان اصل الى اتفاق، انا الدمع في عيني والحزن في قلبي لان ابناء عمي من عائلتي قتلوا وحرقت بيوتهم وهم يناشدونني لكنني ادعوهم الى الصبر والتحمل لاننا نريد ان نعيش مع بعضنا البعض. هكذا حصل معي، عندما قتل والدي في ال 84 تحولت شخصيتي من انسان مقاتل الى انسان محاور وكانت أطروحتي الجامعية في موضوع الحوار الاسلامي المسيحي في لبنان، هذه النظرة اتمنى ان تصل وان يحصل عليها اخواني في الجبل واهل سوريا ان نتعلم من هذا الدم ومن هذا القتل ويجب على التاريخ ان يعلمنا".
من جهة ثانية تلقى شيخ العقل اتصالين هاتفيين متضامنين مع ابناء الطائفة ومعزية بالشهداء في السويداء، من وزير الداخلية والبلديات السابق بسام المولوي، والمفتي الشيخ مالك الشعار، الذي نوّه بالمساعي الآيلة لدرء الفتنة في لبنان من قبل سماحة شيخ العقل والأستاذ وليد جنبلاط، واهمية العمل المشترك لتجاوز تداعيات تلك الأزمة.