نصرالله خلال 13 عاما… صدّق روايتيّ “ترحيل” المسيحيّين و”تهجير” الشيعة!

WhatsApp-Image-2023-07-20-at-11.46.25-AM

ما زال الأحياء في لبنان الذين عاشوا الحرب التي اندلعت عام 1975، يتذكّرون قصة الرسالة المزعومة التي وجّهها وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق هنري كيسنجر إلى العميد ريمون إدّه، وتتعلّق بعرضٍ لترحيل المسيحيين من لبنان على متن بواخر تقدمها الولايات المتحدة الأميركية ، ليتبين لاحقا انها رسالة من نسخ خيال صحفي.
في أيامنا هذه، جرى تداول ما نقله البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال إستقباله الرئيس فؤاد السنيورة من كلام أسمعه الأمين العام ل”حزب الله “السيد حسن نصرالله للمطران بولس عبد الساتر موفد الراعي الذي زار نصرالله في بداية حزيران الماضي. ومفاد كلام الأمين العام للحزب ، هو أنّ المطلوب إنتخاب رئيس للجمهورية “لا يعمل كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2006، حيث كان يُعدّ مشروعاً لتهجير الشيعة اللبنانيين من لبنان إلى جنوب العراق!” وقد سارع السنيورة الى نفيّ ما نسبه نصرالله اليه.
بالعودة الى قصة رسالة كيسنجر، فهي تتصل بما سُمّي “وقائع سجال حول رسالة مفتوحة” وردت كما ذكر في صحيفة “النهار” في 12 حزيران 1976. وبعد عقود وتحديدا في 12 تشرين الثاني عام 2010 ، قرأ الأمين العام ل”حزب الله” في خطاب له مقاطع من هذه الرسالة ، كما قدمها اليه فريقه باعتبارها “أصلية”. وكان هدف نصرالله من ذلك مهاجمة سياسة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان .وعلّق على الامر في حينه ، الكاتب المعروف في صحيفة “الشرق الأوسط” عبد الرحمن الراشد ، في عددها الصادر في 14 تشرين الثاني 2010 ، فكتب مقالاً حمل عنوان “رسالة كيسنجر ونصر الله”، وجاء فيه: “عندما قرأ السيد حسن نصر الله، زعيم الحزب، في خطابه الأخير، رسالة موجّهة من هنري كيسنجر إلى الزعيم اللبناني ريمون إدّه، اتّضح أنّ السيّد نصر الله استشهد برسالة مزوّرة لم يكتبها كيسنجر ولم يتلقَّها إدّه، وتبيّن أنّ الزميل الأستاذ سليم نصّار، لا هنري كيسنجر، هو من كتبها، آنذاك، متخيّلاً كيف يفكّر الوزير الأميركي حينها”.
اليوم، وبالعودة إلى ما نقله البطريرك الماروني إلى السنيورة الذي زار الصرح البطريركي على رأس وفد ، فقد ابلغه الراعي ما سمعه من موفده المطران عبد الساتر نقلا عن السيد نصرالله. وثبت ان قصة “تهجير الشيعة ” التي ذكرها نصرالله قد أوردها الأخير فعلا، وانها ليست من مخيّلة موفد الراعي. حتى لو افترضنا أنّها كذلك ، فما كانت لتمرّ على الراعي الذي له القدرة على تمييز الواقع من الخيال، بالإضافة الى خطورة هذا الكلام على العلاقات بين الشيعة والسنّة في لبنان . وما زاد كلام مطران بيروت للموارنة وضوحاً، هو البيان الذي أصدره السنيورة الثلاثاء في 13 حزيران وثبّت فيه الوقائع على النحو الآتي: “إنَّ غبطة البطريرك، وخلال التداول (مع السنيورة والوفد المرافق)، جرى التطرُّق إلى ما حصل مع المطران عبد الساتر في لقائه مع السيد حسن نصر الله. وحيث كان السؤال الذي طرحه سيادة المطران على الأمين العام للحزب عمّا يقصد “بالرئيس الذي لا يطعن المقاومة في الظهر”، فردّ السيد نصر الله: “أي أن لا يعمل كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2006، وهو الذي كان يُعدّ مشروعاً لتهجير الشيعة اللبنانيين من لبنان إلى جنوب العراق”.
وحتى الآن، لم يصدر عن الأمانة العامة ل”حزب الله”، أي توضيح أو نفي لِما أورده السنيورة، خلافا لما انتهى اليه الامر مع رسالة كيسنجر إلى إدّه.
أنّ التبصّر في أمر الرسالة والحوار، لا بدّ أن يصل إلى واقع غير مختلَق. فبالنسبة إلى “ترحيل” المسيحيين، فقد تحقّق ذلك من دون أن يقدّم كيسنجر بواخر لنقلهم من لبنان كما ورد في الرسالة. ففي العام 1975، كما الحال الآن في العام 2023، رحل اللبنانيون عموماً، وليس المسيحيين فقط، من تلقائهم عن الوطن إلى المهجر، سواء أكان قريباً أم قصيّاً، فراراً من جحيم ما سُمّي وقتذاك “حرب السنتين” ، وكذلك فرارا من الجحيم الذي بشرهم به الرئيس الأسبق ميشال عون في الأعوام الأخيرة، وتبيّن انه كان “صادقا” .
أما بالنسبة ل”تهجير الشيعة” وفق ما نقل عن نصرالله ، فالأمر يتّصل بحقبة حرب تموز في العام 2006 التي شهدت “أكبر عملية إجلاء في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية” (وفق توصيف الإعلام الغربي) قامت بها عشرات الدول التي أرسلت بواخرها لإجلاء رعاياها الذين تقطّعت بهم السبل بسبب هذه الحرب التي فاجأت ملايين اللبنانيين ومئات الآلاف من الزائرين ،وبينهم شيعة من حَمَلة الجنسيّات الأميركية والأوروبية وسواها. علما ان نصرالله كان قد دعا خلال مشاركته شخصيا في مؤتمر للحوار نظمه الرئيس نبيه بري للقادة اللبنانيين قبل تلك الحرب وتحديدا في النصف الأول من العام 2006، الى التمتع بموسم صيف ذلك العام بفضل السلام والهدوء السائديّن .
ماذا عن “العراق كوجهة ترحيل الشيعة إليه”، على حدّ ما سمعه المطران عبد الساتر من السيد نصرالله؟
الجواب على هذا السؤال هو الاتي :لم يسبق لأحد من رؤساء الحكومات في تاريخ لبنان منذ تأسسيه عام 1920، أن فكّر أو قال بأمر كموضوع “ترحيل الشيعة” لأنّه يرتقي إلى “مستوى الفتنة ” بين الشيعة والسُّنّة في هذا البلد ، على حدّ تعبير عضو في الوفد الذي رأسه السنيورة إلى بكركي.
هل من مبالغة في القول إنّ ما يمرّ به لبنان حالياً ، وسط هذه الفوضى العارمة ،هو مشروع تهجير اللبنانيين قاطبة الذين حاصرتهم أزمات لم يسبق لها مثيل في تاريخهم؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: