إذا ما أردنا أن نحصي الكم الهائل من الأمور التي فشل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في تحقيقها خلال عهد عمّه الرئيس ميشال عون، أو لنقل الكم الهائل من القضايا التي لم يتمكن من تحقيقها، لوصلنا إلى رقم يفوق عدد الأيام التي قضاها عون في قصر بعبدا. وهنا لا يمكن أن نقول أنه جرّ عمه إلى الفشل وإنما التوصيف الأفضل والأصح هو أنهما ترافقا “على فرد قلب ورب” على طريق الفشل هذه. ولربما أيضاً، ولهذا السبب تحديداً يمكن أن نلخص إطلالة عون التلفزيونيّة الأخيرة بالقول المأثور: أنا لم أفشل!! أنا ببساطة وجدت 10000 حل لا يعمل.
آخر الأفشال، عدم قدرة باسيل على تحقيق مراده في تشكيل حكومة يكون له فيها حقّ الفيتو، الذي وضعه شرطاً لا يمكن التراجع عنه ليس لأنه يطمح لمنع صدور قرارات معينة عنها، وإنما لسببين آخرين: الأول، ليمسك برئيس الحكومة من رقبته لناحية الثلث المعطّل ويستمر في هيمنته على القرار في الدولة بعد خروج عمّه من القصر، أما الثاني فهو ليفرض بنوداً على جدول أعمال الحكومة تهدف أولاً وأخيراً إلى تغذية سياسة النفاق التي يعتمدها وبالتالي تحسين شروط وصوله إلى رئاسة الجمهوريّة التي يعتبر أنها بعد اتفاق الترسيم البحري لم تعد معدومة كما كانت قبله، والبنود هي عبارة عن فقاقيع إعلاميّة تتعلق بعناوين كبيرة مالياً وإدارياً وقضائياً.وسبب فشل باسيل بالوصول إلى حكومة له حق “الفيتو” فيها هو لأنه رفض بشكل قاطع أن يقايضه “حزب الله” ما بين النفوذ الحكومي المهول الذي يطمح إليه وتسليمه باعتماد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيّة كمرشح لفريق “8 آذار”، ورفض باسيل هذا مردّه طبعاً لأن الجملة المفتاح التي تم برمجة عقله تبعاً لها هي: أنا أو لا أحد.
من ناحيته، اشتم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي رائحة طموحات باسيل خلال مسار التفاوض والحد الذي يمكن أن يصل إليه الأخير في المقايضة مع “حزب الله”، بالإضافة إلى أنه استشف من لقاءاته مع سفراء الدول أن الحكومة لم تعد مطلباً دولياً، خصوصاً بالنسبة لفرنسا ولأميركا اللتين تعتبران أن تأليف حكومة جديدة سيطيل أمد الفراغ الرئاسي في البلاد والإنتخابات الرئاسيّة أولويّة بالنسبة لهما، فأعدّ كل ما يلزم لتحصين حكومته بعد انتهاء ولاية عون.ولم تكن الزيارة الفولكلوريّة التي قام بها إلى قصر بعبدا مؤخراً سوى دليل قاطع على أنه مطمئن تماماً لمسار الأمور، وكيف لا يكون وهو يدرك أنّ الأطراف المسيحية والبطريركية المارونية لن تفتح مواجهةً معه على صلاحيات الرئاسة بعد نهاية الشهر، كما أنه عازم على ما يبدو بعدم السماح لوزراء “الوطني الحر” بتعطيل عمل الحكومة الحاليّة والجلسات ويبدو أن لديه الآلية والسبل لتحقيق ذلك، أضف إلى أن الخارج سيتعامل معه كرئيس للحكومة، وبالتالي ليس مضطراً لتأليف حكومة يتحمّل مسؤولية قراراتها مستقبلاً.نقول هذا، ليس لنقول أن الحكومة العتيدة لا يمكن أن تلد قبل نهاية العهد وإنما لنقول أنه في حال ولدت أم لم تولد، ففي كلتا الحالتين الخاسر الأكبر سيكون باسيل وسيكلّل ملف تشكيل الحكومة لائحة أفشاله اللامتناهية، لأن الحكومة لا يمكن أن تتشكّل إذا ما عطفنا إصرار ميقاتي على تلبية شرط الثقة على رفض باسيل مقايضة الفيتو بالرئاسة، سوى عبر نجاح الضغط الهائل الذي يمارسه “حزب الله” خلال الساعات الأخيرة في تليين موقف باسيل في نهاية المطاف، بشكل يوافق فيه على التأليف ويعطي الثقة ربطاً بطبيعة برنامج الحكومة وليس بحصوله على الفيتو فيها، وبالتالي إن تشكلت أو لم تتشكل سيخر باسيل هيمنته وسيطرته على الوضعيّة السياسيّة في البلاد مع خروج عمّه من القصر، وبالتالي نعلن 31 تشرين الأول عيداً وطنياً لجلاء الهيمنة الباسيليّة على السلطة في البلاد.